default Author

الكتاب البشري

|
قد يكون وهج المكتبات قد خبا إلا لدى مجموعة من البشر، ظل لديهم ذلك العشق الذي لا تمحوه الأيام، ومع تسارع تغيرات الزمن وشعور الفرد بالوحدة، لأن الآلة أو الأجهزة الذكية حلت محل البشر نظريا، والكتب بأوراقها عمليا، لكنها لم تستطع إشباع حاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان!
حين تقرأ كتابا ما فأنت تتعرف من خلاله على خلاصة تجربة الكاتب، فما بالك لو كان لهذا الكتاب لسان يحدثك وآذان تسمعك وقلب يشعر بك، تستطيع مناقشته والتعرف على عالمه، وفهم بعض أنواع البشر الذين قد تعاديهم بلا سبب، بناء على حكم مسبق. من هنا جاءت فكرة الكتاب البشري والمكتبات البشرية التي تتيح لك استعارة البشر بدل الكتب!
انطلقت الشرارة الأولى من كوبنهاجن، الدنمارك، حيث أسس خمسة شباب منظمة صغيرة تهدف إلى نبذ العنف، بعد أن تعرض صديق لهم للطعن ليلا 1993، ليكون هذا الهجوم الوحشي دافعهم الأول لمحاولة القيام بأي نشاط اجتماعي يحد من العنف، من خلال رفع مستوى الوعي، وفي غضون أعوام قليلة كان التنظيم يحوي 30 ألف عضو، في جميع أنحاء البلاد، وفي 2000 أقيم مهرجان كبير أسست على أثره "مكتبة الإنسان" على يد روني أبيرج، لتصبح بعدها ظاهرة عالمية وتنتشر في أكثر من 70 دولة حول العالم، من بينها بريطانيا، أمريكا، أوكرانيا، والهند، كمشروع دولي لتعزيز التعاطف والتفاهم والمعرفة بين الناس من جميع الأطياف.
وتوفر مكتبة الإنسان 40 عنوانا يمكن للقارئ الاختيار من بينها، واستعارة أحدها لبعض الوقت، والكتب هناك ما هي إلا أشخاص متطوعون بتجارب مميزة يمكن للزوار قراءتها، بإجراء محادثة يسأل فيها القارئ كتابه باحترام، عن حياته وتجاربه الشخصية، ومن هذه الكتب البشرية ستقابل لاجئا، ومسلما، ومسيحيا، ومدمنا سابقا، ومشردا، وعاطلا عن العمل، وأحد المصابين بثنائية القطب، وبوذيا، ومجرما سابقا، ومصابا بالتوحد، وشابا ذا أصول إفريقية، ومطلقة وجنديا يعاني اضطراب ما بعد الصدمة، وغيرهم كثير قدموا من شتى بقاع الأرض.
ويقول روني "إن الهدف الرئيس لهذا المشروع هو إيجاد بيئة آمنة للنقاش وتبادل الحوار في بعض المواضيع التي عادة ما تحمل وصمة العار، وتتباين حولها وجهات النظر، مثل المرض النفسي، والإدمان مثلا. ففي مكتبة الإنسان يمكنك أن تحاور مدمن مخدرات متعافيا، وتتعرف على تجربته مع الإدمان، كيف وصل إليه، وكيف استطاع الإقلاع عنه.
إنشرها