أسهم شركات الخدمات اللوجستية في العالم

لم يكن هناك تعبير عن أهمية اللوجستيات أجمل من مقولة الجنرال العسكري الصيني جون تزو، منذ آلاف السنين، حين قال إن الخط الفاصل بين الفوضى والنظام يكمن في اللوجستيات! ظهرت هناك موجة كبيرة لشركات تقديم الخدمات اللوجستية، بعضها شركات خاصة داخل المملكة، نتيجة تزايد الحراك الاقتصادي حول العالم والحاجة إلى نقل البضائع والمنتجات بطرق سلسة وسريعة واقتصادية.

في هذا التقرير سنلقي الضوء على أهمية قطاع الخدمات اللوجستية وسنستعرض بعض الشركات المدرجة في الأسواق الأمريكية، ونتعرف إلى بياناتها المالية ومدى مناسبة الاستثمار بها. ثم نستعرض بعض الصناديق المتداولة في هذا القطاع، التي لها جاذبية لدى كثير من المستثمرين، كونها تزيل عنهم عناء البحث والتقصي والاختيار لشركات محددة في القطاع.

أهمية الخدمات اللوجستية
يعبر مصطلح اللوجستيات عن حركة البضائع والخدمات من منطقة الإنتاج إلى منطقة الاستهلاك، ومن دونها تتعطل الحركة التجارية ويتعثر الاقتصاد، وبذلك يمكننا تشبيه العملية اللوجستية بالجهاز العصبي في جسم الإنسان المسؤول عن نقل الإشارات وتوزيع المعلومات إلى مختلف مناطق الجسد، الذي يؤدي أي اختلال فيه إلى تراجع صحة الإنسان البدنية والنفسية.

يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على نجاح الخدمات اللوجستية التي يتم تقديمها لدعم الأنشطة والحركة التجارية، حيث هناك تأثير مباشر في حجم الطلب، ما يرفع الإنتاجية ويسهم في خفض معدلات التضخم والبطالة، ويساعد على انفتاح الأسواق وارتفاع الجودة بشكل عام، إلى درجة أن أصبحت الخدمات اللوجستية أحد أهم ركائز التجارة الإلكترونية.

حجم سوق الخدمات اللوجستية
بلغ حجم سوق الخدمات اللوجستية العالمية في 2020 نحو 5.2 تريليون دولار، الذي على الرغم من انخفاض قيمته عن 2019، البالغة 6.6 تريليون دولار، بسبب انخفاض حركات النقل البرية والجوية والبحرية في أوائل 2020 نتيجة وباء كرورنا وتعطل سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير، إلا أنه تفوق على العديد من القطاعات الأخرى نتيجة ارتفاع الطلب في تجارة التجزئة والمستلزمات الطبية. وفقا لشركة أبحاث السوق "أليد ماركت ريسيرش" من المتوقع أن تنمو سوق اللوجستيات بمعدل 6.5 في المائة سنويا خلال الأعوام السبعة المقبلة.

انتعاش سوق اللوجستيات الآسيوية
تشير جميع المؤشرات إلى انتعاش قارة آسيا مقارنة بغيرها في سوق الخدمات اللوجستية، وأنها ستستحوذ منفردة على 57 في المائة من إجمالي النمو العالمي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، في حين تستحوذ قارتا أمريكا الشمالية وأوروبا مجتمعين على 37 في المائة وفقا لتقرير معهد ماكينزي.

منحت تكاليف الصناعة الرخيصة الشركات الصينية ميزة تنافسية قوية في التجارة العالمية، التي تمتلك الصين فيها نحو سبعة موانئ من أكبر عشرة موانئ ازدحاما في العالم، وهي كذلك مسؤولة عن 40 في المائة من التجارة البحرية العالمية. ومع عودة بعض الإجراءات الاحترازية المتعلقة بوباء كورونا في الأشهر الماضية، وتزامن ذلك مع زيادة الطلب العالمي على المنتجات بشتى أنواعها، تأثرت حركة الشحن العالمية. لذا فإن المنتجات الصينية تواجه صعوبات في إيجاد وسائل نقل كافية للتصدير إلى الخارج.
على سبيل المثال، واجه ميناء شنتشن، ثالث أكبر ميناء في العالم، تعثرا كبيرا في أعماله بعد اكتشاف مسؤولي الصحة انتشار سلالة كورونا من نوع ألفا في المدينة، ما دفع المسؤولين إلى حظر التواصل بين الموظفين والبحارة، الأمر الذي أدى إلى تراجع طاقة الميناء إلى أقل من 30 في المائة، لتقفز معه تكلفة حاويات الشحن نحو خمسة أضعاف ما كانت عليه.

البناء اللوجستي أمل الشركات الصينية تعويضا عن النقل الدولي
فكرت شركات التجارة الإلكترونية الصينية في بناء أو استئجار مساحات مختلفة بالقرب من أماكن عملائها لاستغلالها كمستودعات لبضائعها، بدلا من الحاجة إلى السفر عبر القارات في كل مرة، وما ينتج عنه من تكاليف مرتفعة وأزمات قد تعوقه. وفقا للأرقام الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، بنت الشركات الصينية نحو 100 مستودع جديد في الخارج خلال النصف الأول من العام الجاري، بعد زيادة قدرها 800 مستودع العام الماضي، وهذا سيدعم الطلب بشكل فعال وسيدعم البائع والمستهلك من خلال توفير التكاليف اللوجستية من رسوم وتعريفات ومسافات نقل طويلة. بحسب أحد الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي يبلغ متوسط التكاليف اللوجستية 13 في المائة من الناتج المحلي وقد تصل إلى 25 في المائة في الدول الأقل كفاءة.

رؤية المملكة 2030 للخدمات اللوجستية
رؤية السعودية 2030 هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية، تحتوي على عدد من المحاور والأهداف الاستراتيجية والبرامج المخصصة لتحقيق الرؤية، أحد أهم تلك الخطط الاستفادة من موقع المملكة الجغرافي في بناء كيانات لوجستية كبيرة، نتج عنها ضخ اسـتثمارات كبيرة في مشاريع السكك الحديدية والطرقات والمطارات والموانئ.

وتهدف الرؤية إلى جعل مشاريع النقل ممولة ذاتيا بنسبة 20 في المائة ما يتيح الفرصة أمام القطاع الخاص للمشاركة في الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والبنية التحتية للطرق والخدمات الاستراتيجية، إلى جانب الاستثمار في النقل الجماعي. وتهدف الرؤية كذلك إلى تطوير 69 منصة لوجستية ورفع الطاقة الاستيعابية للشحن إلى 4.5 مليون طن من البضائع ونقل 330 مليون راكب عبر المطارات، تشمل 30 مليون معتمر سنويا، إلى جانب زيادة سعة الموانئ وتعزيز الحلول التقنية، والدخول إلى عصر السيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة، والتقدم بالمملكة عالميا من المركز 49 لوجستيا إلى المراتب العشر الأولى، مع ضمان الريادة الإقليمية.

ومع تأثير الخدمات اللوجستية في نمط الحياة المعاصر كان على المملكة تبني هذا القطاع في رؤيتها الاستراتيجية للمستقبل القريب كأحد أربع ركائز أساسية: الطاقة والتعدين والصناعة والخدمات اللوجستية، ما يعزز من وجودها الإقليمي والعالمي. من المعروف أن المملكة تقع على أهم ثلاثة مضايق بحرية في العالم، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي تقع على اثنين من البحار، الخليج العربي والبحر الأحمر، حيث تعبر من خلالهما ثلث صادرات النفط العالمية ونحو 12 في المائة من التجارة الدولية. والمملكة حاليا تمتلك أكبر شبكة بحرية في الشرق الأوسط وأضخم شبكات الطرق البرية في العالم، إلى جانب الخبرات الطويلة في إدارة الحشود عبر استضافتها للحج والعمرة.

سوق اللوجستيات السعودية
نمت سوق اللوجستيات السعودية بمعدل سنوي 5 في المائة في حين شهدت بيئة الأعمال قفزات نوعية خلال الأعوام الخمسة الماضية، حيث استثمرت المملكة أكثر من 100 مليار دولار في بنيتها التحتية المتعلقة بالنقل والخدمات اللوجستية خلال العقد الماضي. وارتفعت سوق الطيران المدنية متجاوزة 98 مليون مسافر في 2018، وتم إطلاق خمسة خطوط ملاحية جديدة، وإنشاء محطات للطاقة المتجددة، وإنشاء قرية الشحن الجوي بمطار الملك فهد، والعمل على زيادة الطاقة الاستيعابية للحاويات بأكثر من 70 في المائة بميناء جدة و120 في المائة بميناء الدمام.

أهم أسهم شركات الخدمات اللوجستية
هناك عدد من الشركات التي تقدم خدمات لوجستية ولديها أسهم مدرجة في الولايات المتحدة، نستعرض بعضا منها ونتحدث عن أهم بياناتها المالية، انظر الجدول "البيانات المالية لأسهم الخدمات اللوجستية".

أولى هذه الشركات هي شركة اللوجستيات XPO، التي تبلغ قيمتها السوقية نحو عشرة مليارات دولار، ولديها أكثر من 50 ألف عميل ويعمل لديها 140 ألف موظف، يقدمون الخدمات في 1600 موقع في 30 دولة حول العالم، وقد حازت في وقت سابق المركز الأول في قائمة "فورتشن 500" لشركات النقل والخدمات اللوجستية.

بداية من الشهر الماضي قامت الشركة بفصل قطاع الخدمات اللوجستية في شركة مستقلة، باسم GXO، وطرحت كشركة مدرجة بقيمة سوقية تبلغ نحو عشرة مليارات دولار، وسبب فصلها في شركة مستقلة هو الحاجة إلى إيجاد شركة متخصصة في اللوجستيات الحديثة ومستقلة عن أعمال XPO التقليدية. شركة GXO تتميز بتقنيات عالية مثل الروبوتات وتوظيف تقنية المعلومات في مستودعاتها، والتركيز على التجارة الإلكترونية بين الشركات، وقد كانت إيرادات GXO من إجمالي إيرادات الشركة الأم نحو 6.6 مليار دولار للـ12 شهرا الماضية، وحاليا تعد ثاني أكبر شركة لوجستيات في العالم، بعد DHL.

شركة التوصيل السريع والخدمات اللوجستية ZTO تأسست في شنغهاي بالصين في 2002 وتبلغ قيمتها السوقية نحو 26 مليار دولار، بإيرادات للربع الثاني 2021 بلغت نحو 7.3 مليار دولار، وتدفقات نقدية تشغيلية قريبة لـنحو 12 مليار دولار.
الشركات الأخرى في الجدول هي HPGLY وهي شركة نقل متعددة الجنسيات مقرها ألمانيا تنقل نحو 12 مليون حاوية سنويا، وتبلغ قيمتها السوقية 41 مليار دولار ويعمل لديها 13.4 ألف موظف في 394 موقعا بـ130 دولة. وشركة EXPD شركة أمريكية لوجستية مقرها واشنطن ولديها 18 ألف موظف في أكثر من 250 موقعا، وتبلغ قيمتها السوقية 21 مليار دولار.

شركة HUBG لخدمات سلاسل التوريد والنقل تعمل في أمريكا الشمالية وقيمتها السوقية 2.4 مليار دولار ولديها أكثر من خمسة آلاف موظف، وتوجد في 58 موقعا، تنافسها شركة ECHO الرائدة في خدمات النقل واللوجستيات وتدعم التكنولوجيا بقيمة سوقية 882 مليون دولار. وبالطبع هناك UPS الشركة الأمريكية متعددة الجنسيات وهي أكبر شركة توصيل طرود في العالم، واستطاعت أن تصبح أول شبكة توصيل جوي تصل لكل عنوان في الولايات المتحدة في 1985، وقيمتها السوقية أكثر من 170 مليار دولار.

وأخيرا، في الجدول هناك FWRD وهي شركة خدمات نقل لوكلاء الشحن الجوي وشركات الطيران المحلية والدولية تعمل في الولايات المتحدة وقيمتها السوقية 2.4 مليار دولار، ولديها أكثر من 300 موقع في 12 مركزا إقليميا.

في الجدول، تم ذكر التدفقات النقدية التشغيلية لكل شركة، وهذا من المؤشرات المهمة لقياس مدى صحة الشركة وقدرتها على تحقيق "كاش" من خلال أعمالها الرئيسة، ومن الجدول يتضح أنه في الربع الثاني - وهذا ليس بمقياس كاف ولكن فيه إشارة إلى جودة الشركة - نجد أن أعلى نسب التدفقات النقدية مقارنة بالإيرادات هي من نصيب HPGLY، بنسبة 40 في المائة، ثم ZTO بنسبة 26 في المائة.

أما بخصوص مكررات الربحية وهي مقياس لمدى مناسبة السعر بالمقارنة بشكل عام ببقية الشركات، فنجد أن الشركات مرتبة في الجدول بحسب أقلها مكرر ربحية، علما أن هذا مكرر الربحية للـ12 شهرا الماضية.

صناديق متداولة تستثمر في اللوجستيات
مع انتشار الصناديق المتداولة وانخفاض تكلفة مصاريفها أصبح لدى المستثمر عدد من الخيارات للاستثمار في قطاعات معينة دون الحاجة إلى انتقاء أسهم محددة، وهذا ما نجده في الصناديق المتداولة المتعلقة بقطاع النقل. هناك صندوقان رئيسان يختصان بقطاع النقل، الأول يتتبع في أدائه حركة مؤشر النقل في إس آند بي 500، وهو صندوق IYT، بتكلفة سنوية 42 دولارا لكل عشرة آلاف دولار استثمار في الصندوق. وارتفعت أصول الصندوق بشكل كبير العام الماضي نتيجة توجه كثير من الناس للاستثمار في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، حيث تبلغ أصوله حاليا نحو 1.6 مليار دولار.

شبيه بصندوق IYT هناك صندوق XTN، وهو كذلك يختص بقطاع النقل ويتتبع مؤشر إس آند بي للنقل ولكنه أصغر حجما، وأقل تكلفة إدارية: 35 دولارا لكل عشرة آلاف دولار استثمار. ويختلف عن IYT في أنه يستثمر نحو 20 في المائة من الأصول في اختيارات استراتيجية تجعل أداءه يخالف أداء المؤشر قليلا، منها أنه يستثمر في شركات تأجير السيارات، أي لنقل الركاب وليس فقط البضائع.

الصندوق الأخير هو صندوق صغير، تبلغ الأصول التي تحت إدارته 233 مليون دولار، وتكلفته 45 دولارا لكل عشرة آلاف دولار استثمار، وهو مناسب لأولئك الذين يبحثون عن شركات نقل غير تقليدية، تسمى النقل الذكي، وتشمل المركبات من دون سواق وسيارات النقل التشاركي والطائرات المسيرة "درونز". هذا الصندوق شهد إقبالا كبيرا من المستثمرين في 2020 وارتفع سعره من نحو 20 دولارا في قاع أزمة كورونا إلى أن وصل 60 دولارا في أول 2021.

خاتمة
في هذا التقرير قدمنا معلومات عامة عن أهمية قطاع الخدمات اللوجستية واهتمام المملكة به من خلال برامج رؤية المملكة 2030، وتطرقنا لبعض الأسهم المختصة بقطاع النقل واللوجستيات، وكذلك بعض الصناديق المتداولة.