Author

حتمية إصلاح أنظمة التقاعد

|
يبدي معظم الدول النامية اهتماما محدودا تجاه تحديات الشيخوخة التي تواجهها الدول المتقدمة، التي من أبرزها ارتفاع الضغوط المالية على برامج التقاعد العامة والمنظومات الصحية وتراجع معدلات النمو الاقتصادي. وتعود قلة اهتمام الدول النامية إلى استمرار ارتفاع معدلات خصوبة النساء فيها، وتراجع نسب كبار السن وتغطية معاشات التقاعد، ومتوسطات الأعمار مقارنة بالدول المتقدمة. وتعد دول منطقة الخليج من الدول النامية، حيث ترتفع فيها معدلات النمو السكاني الطبيعية، لكنها تتميز بارتفاع مستويات المعيشة والوفورات المالية وتطور نوعي في تغطية الخدمات الصحية. عموما، لا تركز دول الخليج كثيرا شأنها شأن الدول النامية على تحديات الشيخوخة والصعوبات المحتملة التي قد تتولد عنها. وبدلا من ذلك تولي اهتماما أكبر بتحديات ارتفاع نسب الشباب في إجمالي السكان، والتغيرات الاجتماعية، وتدفق النساء إلى أسواق العمل. وتتطلب هذه التحديات ضرورة مضاعفة الجهود لإيجاد الوظائف وتأهيل القوى العاملة لأسواق العمل من خلال التعليم والتدريب، وتحفيز النمو الاقتصادي والتغيرات الهيكيلية الداعمة.
تتزايد أعداد المتقاعدين مع مرور الزمن في المملكة أسوة ببقية دول العالم. وتشير بيانات تقاعد العاملين في سلك الدولة المدني والعسكري في 2020، إلى وجود نحو 730 ألف متقاعد على قيد الحياة؛ يمثل العسكريون ما يقارب 55 في المائة منهم. ولا تغطي أنظمة التقاعد في القطاع الخاص العاملين الأجانب، ولهذا انخفض عدد متقاعدي القطاع الخاص الأحياء، إلى نحو 185 ألف شخص في 2019. عموما، يمثل المتقاعدون الأحياء ما يقارب 4.5 في المائة من المواطنين. إضافة إلى ذلك، هناك مئات الآلاف من الورثة المستفيدين من معاشات التقاعد. ويعول المتقاعدون أسرهم ما يعني اعتماد جزء لا يستهان به من السكان على معاشات التقاعد إما بشكل كلي أو جزئي على الأقل. وتظهر البيانات أن معاشات التقاعد تلعب دورا حيويا في رفاهية جزء معتبر ومتزايد من السكان.
تسعى دول العالم، خصوصا المتقدمة، إلى إصلاح أنظمة التقاعد لضمان استمرارها في أداء وظيفتها وتأمين ضروريات الحياة للمتقاعدين. وتتزايد الضغوط على أنظمة التقاعد في معظم دول العالم؛ ما يحتم ضرورة إصلاحها عاجلا أو آجلا. ومن حسن الحظ أن الوقت ما زال مبكرا في الدول النامية، والمملكة منها، للنظر في إصلاح أنظمة التقاعد لضمان استمرارها في أداء مهامها وتجنب تعرضها للضغوط مستقبلا. ولا تواجه المملكة حاليا أي ضغوط بخصوص الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين.
تأتي إزالة أو تخفيف معوقات العمل على رأس الإصلاحات التي يمكن تبنيها. وتعد سن التقاعد الإلزامية من أبرز تلك المعوقات، حيث باستطاعة كثير من المتقاعدين الاستمرار في العمل لأعوام بعد السن الإلزامية. وبلوغ الـ 60 هو سن التقاعد الرسمية في قطاعي المملكة الخاص والعام، أما العسكريون، خصوصا الأفراد، فيتقاعدون عند عمر مبكر. وينخفض متوسط عمر الأفراد عند الإحالة للتقاعد إلى 46 عاما، ويشكل الأفراد نحو نصف المتقاعدين. وسيساعد رفع سن التقاعد خصوصا للعسكريين، وبصورة تدريجية، على تخفيف الضغوط المستقبلية على معاشات التقاعد. أما بالنسبة للقطاع الخاص، فيمكن رفع عمر التقاعد بخمسة أو عشرة أعوام أو حتى إلغائه ما دام أصحاب الأعمال والعاملون لديهم رغبة في استمرار العلاقة بينهم. وهناك عدد من المعوقات الأخرى النظامية والاجتماعية المثبطة للعمل والمحفزة للبطالة التي يمكن التصدي لها أو تخفيفها لرفع عدد العاملين وأوقات العمل.
سيدعم تحفيز الإنتاجية النمو الاقتصادي الذي سيرفع بدوره اشتراكات التقاعد ويعزز موارد مؤسساته. لهذا لا بد من بذل أقصى الجهود لرفع إنتاجية العمالة والتخلي قدر الإمكان عن أي سياسات نظامية أو ضريبية تثبط العمل وريادة الأعمال والاستثمار، وفي الوقت نفسه، ينبغي قدر الإمكان تشجيع وتسريع التطورات والتحولات التقنية والتدريب والتعليم وتدفقات الاستثمار الأجنبي. ويفرض عديد من الدول قيودا على التدريب والتعليم مع تقدم العمر، ويمكن أن ترفع إزالة هذه القيود كفاءة العمالة وإنتاجيتها ومواكبتها للتغيرات حتى مع تقدم العمر. كما يمكن للقطاعات العامة، كالقطاعات العسكرية، أن تحفز منتسبيها على التدرب والتعود على المهارات والمهن سواء ضمن مؤسسات العمل أو خارجها، وذلك لرفع فرصهم بالحصول على عمل أو إنشاء أعمال عند ترك الوظائف العامة. إضافة إلى ذلك، سيسهم التخلص من ممارسات وأنظمة التمييز ضد كبار السن في أماكن العمل في استمرارهم في العمل وخفض أعداد المتقاعدين ورفع إيرادات مؤسسات التقاعد. كما أن من الأجدى للعاملين وأوطانهم إعادة النظر في مفاهيم التقاعد والحرص على ممارسة الأعمال والأنشطة في مختلف فترات العمر، وحث الشرائح العاملة على تفادي التقاعد المبكر، وربط أي تحسينات مستقبلية في المعاشات بحد أدنى من العمر.
يشجع كثير من الدول مبادرات التقاعد الخاصة، وتحفز القوى العاملة للمشاركة فيها لتحسين أوضاعهم المستقبلية. وستساعد المشاركة الطوعية مبكرا في برامج أو مبادرات التقاعد الخاصة على زيادة الدخول الإضافية للمتقاعدين، وكذلك رفع معدلات الادخار والاستثمار الوطنية، كما أنها ستحفز النمو الاقتصادي وتحسن مستويات المعيشة على الأمد الطويل. من جهة أخرى، سيدعم تطوير أنظمة وممارسات العمل الجزئي دخول الشباب ويشجع كبار السن على الاستمرار في العطاء.
إنشرها