Author

رجع أيلول

|
ربما تكون السيدة فيروز سببا في تحسين علاقة سكان دول منطقة الشام بأيلول (سبتمبر)، حيث إنه بالنسبة إلى بلدان طبيعتها خضراء يعد كئيبا نوعا ما، لابتداء الخريف، وتساقط أوراق الأشجار، وهذا المظهر الطبيعي استخدمته فيروز في مطلع أحد أشهر أغانيها "رجع أيلول"، فأضفت كثيرا من الرومانسية على الشهر بغناء هذا الشعر لجوزيف حرب.
بالنسبة إلينا في الخليج، علاقتنا بهذا الشهر مميزة وجميلة، حيث نكون قد بدأنا ومنذ أواخر آب (أغسطس) رؤية نجم "سهيل"، ثاني ألمع النجوم بعد الشعرى اليمانية، الذي يظهر كل صيف مؤذنا بالتغير الفصلي، وتحسن الطقس، وتحسن المزاج العام.
هذا العام ورغم ظهور هذا النجم، لا يزال الحر شديدا، ولا يزال يصعب التمتع بمساءات وصباحات أيلول التي اعتدناها، وتحمل عادة تباشير انحسار الصيف، وكأن "أيلول" لم يرجع بعد.
صغار السن والشباب ربما لا ينتبهون، هم غالبا مدمنون على أجهزة التكييف التي بالكاد يمكن إقناعهم بإيقافها في عز الشتاء، أما الربيع والخريف فهما كالصيف بالنسبة لهم، وهذه إحدى عوامل المشكلة من وجهة نظري.
هذا الحر الذي لم ينحسر، هو جرس إنذار يدوي في الآذان، فإضافة إلى أجهزة التكييف التي تتعاظم ويتواصل تشغيلها حد الإدمان، هناك انحسار الغطاء النباتي الذي انتبهت له الـ"رؤية السعودية" ووضعت خططا وقوانين لإعادته، ونحن بالفعل في مأزق مناخي يصعب علينا نقل الإحساس به لأبنائنا، لكن هذه الصعوبة يجب ألا تثنينا عن إيجاد الوسائل الفاعلة تعليميا وتربويا لإيصال هذه الفكرة، وما يجب عمله تجاهها.
اهتمام الـ"رؤية السعودية" بالعوامل الضارة بالبيئة والمؤثرة في الطقس، مثل: تنظيم الرعي، وإيقاف الاحتطاب، والصيد الجائر، وغيرها من المبادرات المهمة، يجب أن يصاحبه اهتمام الأفراد إذا أرادوا لليالي سهيل أن تطيب مجددا.
أتأمل في تسارع هذا التغير المناخي، وأتذكر أن مدن الاصطياف الجبلية كان نصف سكانها أو أكثر لا يضعون أجهزة تكييف الهواء في منازلهم، وإن وجدت فللوجاهة والديكور، فهم لا يشغلونها، وكان المصطافون ينعمون بهواء الشبابيك "النسناسي" كما يسمى في "المحكية السعودية"، واليوم أقرأ؛ أنه حتى بعض العواصم الأوروبية "تهدر" فيها أجهزة التكييف التي لم تعرفها من قبل.
إحدى المعادلات المتخيلة والمأمولة، أن نغرس شجرة مقابل كل جهاز تكييف، أو كل جدار أسمنتي، أو كل عشرة أمتار مربعة من الأسفلت، لعلنا حينها نحس بعودة سهيل "نجم التفاؤل بالطقس"، ونستمتع أكثر بأغنية فيروز أعلاه.
إنشرها