تقارير و تحليلات

صناعة السيارات .. المركبات الفارهة تنقذ القطاع من الأزمة

صناعة السيارات .. المركبات الفارهة تنقذ القطاع من الأزمة

قطاع السيارات الفاخرة له وضعيه مميزة وإيجابية داخل الصناعة لكن السيارات الرخيصة تلقى رواجا أكثر.

عندما أغلقت البلدان حدودها، ونفذت سياسة الإغلاق نتيجة وباء كورونا، شهدت صناعة السيارات لأول مرة تعطل سلاسل التوريد، وعانى القطاع اضطرابات في صادرات قطع الغيار القادمة من الصين، وتراجع التصنيع في جميع أنحاء أوروبا، وأغلقت خطوط التجميع في الولايات المتحدة.
وخلال الأشهر الأولى من الجائحة انخفضت مبيعات السيارات بنسبة تصل إلى 80 في المائة في أوروبا، و70 في المائة في الصين، ونحو 50 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن هذا المشهد القاتم الذي هيمن على الصناعة العام الماضي أخذ في التغيير منذ بداية 2021. فمقابل خسائر مالية تعرضت لها أكبر 16 شركة سيارات في العالم قدرتها دراسة حديثة بنحو 4.1 مليار يورو في النصف الأول 2020، حققت الصناعة في النصف الأول من العام الجاري أرباحا تشغيلية 71.5 مليار دولار، ما يعد مستوى قياسيا من الأرباح.
الوضع الجديد لسوق السيارات العالمي طرح كثيرا من التساؤلات بشأن طبيعة القوى التي أفلحت في جذب الصناعة للأمام في وقت لا يزال الاقتصاد العالمي يستعيد فيه عافيته؟
تنبع أهمية تلك التساؤلات من حقيقة أن سوق السيارات الفاخرة ورغم الأزمة الاقتصادية مثل قوة الدفع الأساسية في سوق السيارات العالمية، ما يدفع للتساؤل كيف حدث هذا في وقت يعاني الجميع ضائقة اقتصادية، وهل يعد ذلك سلوكا مؤقتا للأسواق أم أنه اتجاه مستقبلي سينعكس على موديلات وأسعار السيارات في المقبل من الأيام.
تبدو الآفاق واعدة لقطاع السيارات الفاخرة، الذي حقق مبيعات بنحو 450 مليار دولار 2019، لكنه تراجع العام الماضي ليحقق 410 مليارات دولار فقط، وسط توقعات بأن يكون هذا العام مقدمة لنجاحات مستقبلية، مع توقع الخبراء أن يحقق 655 مليار دولار 2027.
لكن لمن تدين صناعة السيارات الفاخرة بهذا النجاح؟
يشير جراي براون من قسم التسويق في شركة بنتلي إلى أن النجاح يعود لمرونة قاعدة العملاء، مؤكدا أن صناعة السيارات الفاخرة عامة أكثر مرونة في الواقع من سوق سيارات الطبقة المتوسطة.
ويقول لـ"الاقتصادية" إنه "عند تحليل سوق السيارات الفاخرة عليك أن تركز على الدخول ومدى حساسية العملاء في الإنفاق، فعادة ما يكون هؤلاء العملاء من أكثر الطبقات ثراء ولديهم احتياطيات مالية أكبر بكثير من العملاء العاديين في السوق".
ويضيف "لا قلق بشأن مستقبل السيارات الفاخرة، فطالما ظل هناك تميز بين السيارات الفاخرة والعادية بشكل واضح، فإن الصناعة ستستمر، حيث إن شراء سيارة فاخرة مثل رولز رويس على سبيل المثال ليس له علاقة كبيرة بعملية التنقل، فأنت لن تستخدمها في تنقلاتك اليومية المعتادة مثلا، فشراء السيارات الفاخرة يهدف أساسا لعكس المستوى الاجتماعي، فإذا استخدمتها مثلا في الوصول إلى اجتماع أو لقاء في فندق فاخر، فإن المعاملة الاجتماعية، التي تتلقاها تكون مختلفة، وهذا منطق أساسي في تفكير الطبقات الثرية".
ربما تتضح وجاهة هذا المنطق عند معرفة أنه حتى في أحلك أوقات صناعة السيارات كان أداء قطاع السيارات الفاخرة في مجمله إيجابيا، وعلى الرغم من تراجع القيمة الإجمالية للمبيعات العام الماضي، مقارنة بـ2019، فإن شركة بنتلي التي تنتج أحد أفخر أنواع السيارات في العالم سجلت أكبر رقم مبيعات خلال 101 عام من وجود علاماتها التجارية، وقد زادت مبيعاتها العام الجاري بنحو 30 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، وحققت مبيعات بورش رقما قياسيا من الإيرادات السنوية 2020، وذلك في ظل الإغلاق نتيجة كورونا، أما لامبورجيني فحققت أكبر أرباحها السنوية على الإطلاق وفقا لوكالة "بلومبيرج".
بالطبع لا يمكن إنكار تأثير شهية الطبقات الثرية في الصين على سوق السيارات الفاخرة في العالم، فالعام الماضي تضاعفت مبيعات بنتلي في الصين، ومن المرجح أن تصبح ثاني أكبر سوق لسيارات لامبورجيني الفاخرة بحلول نهاية هذا العام.
لا تنكر إيملين بلاك ويل، نائب الرئيس التنفيذي لاتحاد صناعة السيارات الأوروبية أن قطاع السيارات الفاخرة له وضعيه مميزة وإيجابية داخل صناعة السيارات، لكنها ترى أن العصب الرئيس للصناعة سيظل دائما السيارات، التي تصنع للطبقة المتوسطة، وأن عدم قدرة الطبقة المتوسطة على الحصول على سيارة بسعر مناسب لقدرتها المالية، يمكن أن يسبب أزمة حقيقية في الصناعة، حتى المكاسب التي ستتحقق من مبيعات السيارات الفاخرة لن تكون قادرة على تعويض الفارق أو إعادة التوازن للصناعة.
وتقول بلاك لـ"الاقتصادية"، بالطبع يجب الاهتمام بسوق السيارات الفاخرة، بما يمثله من قيمة ضخمة في الصناعة وأحد ملامحها المميزة، لكن جوهر المبيعات في القطاع من حيث القيمة الإجمالية أو أعداد السيارات سيظل يعتمد على الطلب القادم من الطبقة المتوسطة، فجزء كبير من الطفرة، التي شهدتها الصناعة في العقدين الماضيين يعود إلى نمو الطبقة المتوسطة في الصين والهند وعديد من الدول الآسيوية.
وتضيف "يصعب توقع أن تتجه الصناعة مستقبلا لإنتاج السيارات الفاخرة على حساب السيارات، التي تستطيع الطبقة المتوسطة تحمل تكاليفها، كما أن السيارات الفاخرة لديها علامات تجارية محددة، وإضافة علامة تجارية جديدة في هذا المجال أمر شديد الصعوبة، مقارنة بدخول شركة جديدة في الأسواق متخصصة في صناعة سيارة قد تلقى رواجا لدى الطبقة المتوسطة".
لكن الدور المهم، الذي تلعبه أسواق السيارات الفاخرة في السوق العام لصناعة السيارات، لا ينفي أن الصناعة ككل تعاني مأزقا يعود إلى نقص المعروض من رقائق الكمبيوتر أو الرقائق الإلكترونية.
ويعتقد بعض الخبراء أن الاتجاه الحالي في ازدهار أسواق السيارات الفاخرة يعود في جزء منه إلى هذا النقص.
فنقص رقائق الكمبيوتر، التي تعد الآن جزءا لا يتجزأ من بنية السيارات الحديثة يدفع عديدا من شركات السيارات إلى تفضيل استخدام الكميات المحدودة لديها من تلك الرقائق في صناعة السيارات الفاخرة بدلا من السيارات شائعة الاستعمال لدى الطبقة المتوسطة، نظرا لهامش الربح الأعلى المحقق من مبيعات السيارات الفاخرة.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية"، مات سيمور من قسم أبحاث التسويق في شركة فوكسهول لصناعة السيارات، "بشكل عام ستنتج صناعة السيارات العالمية نحو أربعة ملايين سيارة أقل من المخطط لها هذا العام بسبب نقص الرقائق الإلكترونية، ما يؤدي إلى خسارة نحو 110 مليارات دولار من المبيعات، وهذا النقص في الرقائق سيستمر إلى ما بعد 2022، حيث يفوق الطلب العرض بكثير، والعرض محدود بسبب الافتقار إلى مصانع أشباه الموصلات، كما أن عملية الإنتاج تستغرق شهورا طويلة لصنع الرقائق".
وانعكس النقص الراهن في الرقائق الإلكترونية على إنتاج السيارات لدى شركة فورد الأمريكية بشكل واضح، إذ كلفها ذلك نصف إنتاجها المخطط في الربع الثاني من العام الجاري، كما أعلنت شركة جنرال موتورز استمرار خفض الإنتاج لذات السبب، بينما توقعت كل من شركة ديملر وبي إم دبليو أن يظل هناك نقص في المعروض من الرقائق حتى نهاية العام.
ويشير مات سيمور إلى أن شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية أجبرت على الاختيار بين صنع السيارات الكهربائية أو البطارية من نوع "بوروال"، التي تنتجها وتستخدم لتخزين الطاقة المنزلية بسبب الكميات المحدودة المتاحة لديها من الرقائق الإلكترونية، ولم يكن أمام "تسلا" إلا خيار استخدام الرقائق الإلكترونية لصناعة سياراتها الكهربائية، حيث إن هامش الربحية أعلى من بطاريات "بوروال"، وهو النهج، الذي ينطبق أيضا عند الاختيار بين استخدام الرقائق في السيارات الفاخرة باهظة الثمن عالية الربحية، أو في السيارات منخفضة الثمن.
وتبلغ تكلفة إنشاء مصنع للرقائق الإلكترونية عشرة مليارات دولار أو أكثر بسبب آلاتها عالية التخصص، وهي تكلفة يمكن لعدد قليل للغاية من الشركات تحملها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات