Author

عندما تبدأ الوظيفة وأنت تنوي المغادرة

|
ربما يعدها البعض مخالفة وخطأ كبيرا وجسيما، أو استغلالا لظروف الآخرين "مكان العمل"، أو مخالفة لقواعد الوضوح والشفافية، عندما يبدأ الموظف عمله وهو يعرف أنه سيترك مكان عمله خلال عام أو عامين دون أن يفصح عن ذلك. وهذا التعارض وعدم القبول ينبثق من مبدأ الولاء الذي يفترض أن الموظف عندما يبدأ وظيفته يرتبط بمكان عمله ارتباطا وثيقا يستمر لأمد مفتوح، أو على الأقل لأعوام طويلة. تغير مبدأ الولاء بشكل كبير جدا عما كانت تفترضه الوظيفة التقليدية في السابق، والتغيير مستمر ولا نعلم إلى أين سيذهب بنا. من الطبيعي أن تبحث المنظمات عمن يعمل ليبقى ويخدم باستمرارية، لكن الواقع مختلف.
بعيدا عن متغيرات سوق العمل وطبيعة العرض والطلب التي تتسم بالتنافسية والمرونة بشكل غير مسبوق، سواء من طرف الموظف أو جهة التوظيف، هناك نقطتان جوهريتان ينبغي التعامل معهما في هذا السياق، الأولى، أن يقر الجميع بأنه واقع وحقيقي وقد تختلف درجة قبوله من مكان لآخر، في الأساس حسب نموذج العمل وقدرة مكان العمل على التكيف مع موظف هو عمليا موظف مؤقت. وهذا ليس اختيارا لجهة العمل في كل الحالات. المسألة مرتبطة بطبيعة المهارات المطلوبة في مجال العمل وحسب قدرة مكان العمل على استيعاب المتحرك السريع والتخارج معه على وجه السرعة بأقل الأضرار. قد تختلف الدورة المثالية لاستمرار الموظف في مكان العمل حسب طبيعة العمل وعمق المهارة المطلوبة وقدرة نموذج العمل على التحرر وبناء منحنى التعلم بشكل سريع يمكن استخلاص فوائده خلال فترة قصيرة نسبيا تكون متوائمة مع ما يحصل في السوق. بكل بساطة، إذا كان منحى التعلم والإنتاجية طويلا جدا في المنظمة، والموظفون يأتون ويخرجون بمعدل أقصر بكثير من هذا المنحنى فالمنظمة هنا تخسر كثيرا، وقد تدخل في دورة من الخسارة والفقد تنتهي بعدها دون معرفة متراكمة وبنموذج محاسبة ومتابعة متعطل، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى استحالة تخطيط وإدارة الأداء، ومثل هذه المنظمة إذا أنجزت على المدى القصير دمرت خططها الاستراتيجية، وفي الأغلب ستخسر على كل الأصعدة.
المسألة الثانية التي تستحق التوقف فهي زاوية الموظف نفسه، العمل بارتباط تعاقدي سنوي قابل للتجديد ودون وجود الشجاعة على عقد اتفاق مسبق وواضح حول تاريخ الخروج مع وجود نية غير معلنة للخروج خلال فترة قصيرة يعني الالتزام بقدر كبير من المسؤوليات المضاعفة. والمخرج الأساسي والمنطقي لهذه المعضلة هو الاتفاق على العمل وفق مهمة محددة أو مشروع قابل للحصر تنتهي بنهايته المسؤوليات من الطرفين. لكن هذا الترتيب نادر الحدوث ولا يمكن النصح به في الوقت الحالي. لذا لا بد من قبول المسؤوليات المضاعفة من أي موظف يهتم بمساره المهني وصورته الجدية، وقبل ذلك، يقدم معاييره الأخلاقية الشخصية المتعلقة بارتباطه التعاقدي الوظيفي. أول هذه المسؤوليات هي الجهد المضاعف أثناء العمل إجمالا، خصوصا في الفترة الافتتاحية للوظيفة الجديدة، وهنا نتكلم حول قيام الموظف وخلال ثلاثة أشهر بما يجب القيام به في العام الأول، والقيام خلال شهر بما يجب القيام به خلال الثلاثة أشهر الأولى، ونحن نتحدث هنا عن كسر الجليد المسرع والقراءة المكثفة والاندماج السريع مع أصحاب المصلحة والنسيج الاجتماعي في مكان العمل. ويأتي بعد ذلك الفهم الجيد للأدوار والمسؤوليات التي يجتمع بها أمران: الإضافة لمكان العمل والإضافة للمسار بشكل مدروس ومحدد مسبقا. وهذا يعني فهم التوقعات جيدا ومبكرا لأن الوقت قصير وفرصة التعويض صعبة، أي خروج مبكر يعني إهدارا لجهود الآخرين وتقويضا للعمل المنظم. وهذا مطلب مهم لأن الخروج المبكر - بعد 18 أو 23 شهرا مثلا - ينبغي أن يرتبط بإنجاز شخصي تعلما وعطاء وقبل ذلك نتيجة وفائدة لمكان العمل، وإلا أصبحت رحلة الموظف القصيرة استغلالا غير أخلاقي. ومن الأدوار المهمة كذلك أن الموظف في مثل هذه الحالات مطالب أن يبذل جهدا مضاعفا وربما يقوم بأدوار إضافية لتحريك الأمور من زوايا مختلفة، حيث يعوض ما تفقده المنظمة بخروجه ويتأكد من تحقق الإنجاز المطلوب. وأخيرا، عليه أن يبني أعماله بطريقة قابلة للمناولة وهذا يعني التنظيم الجيد والشفافية الكاملة، من أجود ما يحدث هنا أن تكون أعماله قابلة للمناولة بطريقة لا تحتاج إلى شرح self-explanatory وينقل المعرفة بشكل متقن إلى زملائه خلال - وفي نهاية - فترة وجوده.
قد تكون الفترة المتفق عليها ضمنيا عاما أو ثلاثة، وهي تمثل اتفاقا غير معلن بين الموظف ومكان عمله يضمن نجاح العلاقة التي تعمل في واقعها كعلاقة مؤقتة، وقد تزيد أو تنقص. تجاهل هذا الواقع من أي طرف يعني خسارة للطرفين، التعامل معه بشفافية وإتقان يعني التواؤم مع واقع نعيشه وتقليل الخسائر بشكل كبير. وإلى أن تزدهر خيارات العمل المهني بعقود قصيرة محددة المدة، لا بد أن نقبل هذا الواقع ونتعامل معه، فالسوق لن تعود إلى سابقها أبدا، وقد تزيد تمردا بشكل أسرع مما نظن.
إنشرها