الموضوعية والذاتية واعتبارات الثقة
الموضوعية والذاتية، مصطلحان على طرفي نقيض، حيث يمثل أحدهما معنى مختلفا تمام الاختلاف عن المعنى الذي يعنيه المصطلح الآخر، فالموضوعية تعني الدقة، والمصداقية، والصحة للمعلومة الواردة في بحث، أو الخبر الذي تسوقه وسيلة إعلامية، أو غيرها من المصادر المفترض توفر المعلومة لديها، أما الذاتية فتعني انتفاء صحة وصدق المعلومة، ما يعني أن طبيعة المعلومة ومصدرها ليسا محل ثقة، نظرا إلى تدخل المصلحة الذاتية في نوع المعلومات التي تم جمعها، إذ قد تكون جمعت بطريقة انتقائية، ولا تمثل الواقع، ولا تمثل الأفراد، أو الفئة الاجتماعية التي يدعي الباحث أنه أجرى الدراسة عليها.
وقد عني العلماء والباحثون أيما عناية بالمصطلحين، ذلك أن البحوث يفترض أن تكون معلوماتها صحيحة، حتى يمكن البناء عليها، واعتمادها من قبل المتخصصين في الحقل، ولكي تظهر آثار هذه النتائج في الميدان.
تتعدد مناهج البحث من وصفي، وتجريبي، وتاريخي، ومقارن، وتحليلي، كما يمكن تصنيفها إلى كمي، وكيفي، ومع هذا التعدد تنوعت الأساليب المعتبرة من قبل العلماء لتحقيق الموضوعية فيما يتم نشره من بحوث، أو حتى أخبار تنقلها وسائل الإعلام، وتؤثر في الجمهور العام الذي يتلقى الأخبار، والمعلومات، وما من شك أن الجمهور يختلفون في خلفياتهم، وقدراتهم على تحليل المعلومة، وفرز الصحيح، والخطأ، ولذا نجد التباين بين الناس في قبولهم، أو رفضهم لمعلومة وردت في بحث علمي، أو في وسيلة إعلامية، فالمتخصص في مجال من المجالات يمكنه أن يكتشف الخطأ في نتيجة ما، نظرا إلى خطأ المنهج المتبع في البحث، أو لخطأ في آلية جمع المعلومات، أو في الوسيلة الإحصائية، والكيفية المستخدمة لتحليل البيانات التي تم جمعها من الميدان.
خلال جائحة كوفيد - 19 هب العلماء والباحثون لإجراء الدراسات والبحوث التجريبية، بهدف الوصول إلى لقاح يحمي البشرية من آثاره المدمرة لحياة الناس، وقد تفاوتت نتائج التجارب بشأن نسبة الوقاية من الإصابة التي يحققها كل منتج، حسب وطن الإنتاج، إلا أن المؤكد أن كل ما أنتجته التجارب السريرية لم يصل أي لقاح منها إلى نتيجة مطلقة.
مع الفضاء المفتوح فيما يتعلق بالإعلام التقليدي، أو الحديث، أو تلك المصادر المتمثلة في قواعد المعلومات المتاحة عبر الإنترت بشكل مفتوح ما عدا بعض الاستثناءات يجد المرء نفسه في بحر متلاطم من المعلومات والأخبار، ما يجعل الفرد في حيرة من أمره بشأن القبول والرفض، خاصة فيما يمثل أمورا جوهرية، كأمر مرتبط بالغذاء، أو الدواء، أو الصحة عموما، حيث كل يبدي برأيه، حتى لو لم يتوافر لديه الحد الأدنى في التخصص.
موضوعية المعلومة أو الخبر لها شروط يلزم توافرها، أولها مصدر المعلومة، ذلك أنه ليس بالضرورة كل مصدر موثوق، حتى ولو شاع عنه هذا الشيء. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعد وكالة "رويترز" من أقدم وكالات الأنباء على مستوى العالم، حتى إن الناس في مجالسهم إذا أرادوا إشاعة الثقة بشأن خبر محلي لا علاقة لـ"رويترز" به، ولم تورده، وليس من ضمن اهتماماتها، يقولون مصدر الخبر "رويترز". ومع هذه السمعة لـ"رويترز" لا يمكن القول إن كل ما تورده صحيحا، وليس متأثرا بمصلحة زعيم، أو بلد، أو توجه فكري يراد التسويق له.
البحوث والأخبار قد ترد في مصادر ثانوية، وليست مصادر أساسية، وفي المجال العلمي يوجد مصطلح الرواد، ويقصد به الباحثون من ذوي النظريات والنماذج في التخصص، إذ يلزم الباحث الرجوع إليهم، والاستشهاد، والاقتباس مما ذكروه في نظرياتهم، أو نماذجهم، بدل الرجوع لباحث ثانوي اقتبس من الباحث الرائد، وقد لا يكون اقتباسه دقيقا، نظرا إلى عدم موضوعيته، أو لعدم إتقانه لغة البحث، ولعل المثل الشائع "وما آفة الأخبار إلا رواتها" ينطبق على مثل هذه الحالة. ومن التجارب البسيطة في هذا الموضوع قيام أحدث الباحثين بإجراء دراسة على ستة أشخاص، حيث عرض على الشخص الأول خبرا كتب على ورقة، وطلب منه كتابة ما فهمه، وإبلاغه لزميله الثاني بشكل مكتوب: ليكتشف الباحث أن الخبر عندما وصل إلى الشخص السادس قد تغير معناه كلية.
لا يمكن فصل المصلحة عن المعلومة والخبر، فمنتج سلعة من السلع يهمه تسويق سلعته لزيادة المبيعات، والربح، حتى لو تم ترويج معلومات إيجابية بشأن المنتج، ولو لم تكن المعلومة تصدق في حق المنتج.