الطموح والاندفاع .. تكامل أم تنافر؟

تطرح في بعض الأحيان أو معظها من خلال مناقشات جانبية أسئلة مختلفة ومتنوعة عن الشخصية الاندفاعية، والشخصية الطموحة، والفرق بينهما، وخصائص كل منهما والآثار المترتبة، ولعل من المناسب الإشارة إلى تميز إحداهما عن الأخرى عند البعض، وتقاطعهما عند آخرين، أي وجود مساحة مشتركة في البناء النفسي يلتقيان بها، حتى إن كانت المساحة محدودة، مع أن الأمر يختلط عند البعض حيث يعتقد أن أحدهما يمثل الآخر، فيظن أن كل مندفع طموح، وكل طموح مندفع، وهذا غير صحيح.
الشخص المندفع تظهر عليه العجلة، والسرعة في الحديث، والتصرف، مع افتقاد الروية، والتأني، وعدم إعطاء نفسه فرصة للتأمل، والتفكير في الموضوع، أو الموقف الذي يمر به، فعلى سبيل المثال لا الحصر لو كان في مجلس يناقش موضوعا لا يتوافر لديه الحد الأدنى من المعلومات فيه تجده يسارع في الحديث، كما لو أنه مختص في المجال، رغم أن ما يقوله قد يثير السخرية، والاستهزاء، ويعطي صورة ليست حسنة عنه، المندفع لا يعطي فرصة للمختص لإبداء رأيه، ويقاطع المتحدث قبل أن يكمل رأيه، حتى تسود في المجلس حالة من فوضى الحديث، وافتقاد الفائدة بشأن ما يتم طرحه، ويلاحظ عليه تعثر الكلمات في فمه، حتى لا يكاد المستمع يفهم شيئا مما يقول.
الشخص المندفع يظهر سلوكه في مزاحمة الآخرين عند ركوب المواصلات العامة، وفي الظروف التي تستوجب الانتظام، كما في المطارات، أو أماكن الانتظار عند طبيب، أو محاسب في "سوبر ماركت"، حتى ليفسد على الجميع حالة الانتظام التي هم عليها. الشخص المندفع يترتب على سلوكه الاندفاعي كثير من الآثار السلبية، حسب الموقف، ففي مواقف التفاوض قد يفسد العملية، ويخسر وطنه كثيرا بسبب عجلته، وتقديم مقترح، أو مقترحات يجد فيها المفاوض الخصم فائدة، لذا يتمسك بشروطه، كما أن المندفع لا يصلح في الحروب، إذ قد يستعجل، وينطلق قبل الوقت المحدد للهجوم، أو قد يطلق النار، خلاف ما اقتضت الخطة، ومن ثم يفسد الخطة المرسومة بكاملها ليكسب العدو المعركة.
من ملاحظاتي على بعض المحاورين الإعلاميين اندفاعهم في الإجابة على السؤال المطروح قبل إكمال السؤال، لذا تأتي الإجابة مرتبكة، وناقصة لقلة التركيز الناجم عن خاصية الاندفاع. المندفع لا يحسن قراءة الموقف، أي يخفق في قراءة الواقع بالشكل الصحيح، نظرا لقلة التركيز، وطغيان الحالة الانفعالية على النشاط العقلي.
الشخص الطموح لديه هدف، أو أهداف محددة يسعى لتحقيقها وفق خطة مرسومة تتبع خطوات، ومراحل متسلسلة مع السعي بشكل منظم لتوفير الاحتياجات اللازمة لتحقيق الأهداف، كما أنه يتسم بالاتزان، وحسن التصرف، يحلل الأمور، ولا يقفز على المراحل اللازمة لتحقيق الهدف، غالبا يتسم بالهدوء، ويحسن قراءة الواقع بشكل دقيق، ويتصرف وفق ما تقتضيه الظروف، أهدافه واقعية تتناسب مع إمكاناته المادية، ووفق ظروف البيئة، والمجتمع المحيط به، كما يتسم بالأفكار الإبداعية، حتى إنه عند الحديث يؤثر في مستمعه مع وضوح الفكرة وقدرة على قراءة المستقبل. الشخص الطموح من خصائصه القدرة على التعامل مع العوائق التي تعترضه بحكمة، وبعد نظر.
هل توجد شخصية تجمع بين الطموح، والاندفاعية؟ نعم يوجد لكن أحدهما ربما يفوق الآخر فإن غلب الطموح خاصية الاندفاع تحقق النجاح في الوصول للهدف، وإن كان بالإمكان تحقيق مزيد من النجاح لولا حالات التعثر الناجمة من الاندفاع، أما إن غلب الاندفاع الطموح ففي الأغلب يكون التعثر، والفشل في تحقيق الهدف لأن حالة عدم الإتزان هي ما يسود الموقف، وعليه يفشل الفرد في القراءة الجيدة للظروف.
الطموح للحصول على مؤهل عال يستوجب التدرج في المراحل الدراسية، ويتطلب الصبر، والمثابرة، وبذل الجهد للوصول إلى الهدف، كما أن هدف تحقيق الثروة يتطلب تحديد الأساليب المشروعة لذلك، ومجال الاستثمار المناسب، وإلا يتحول الطموح إلى كابوس لو لم يسلك صاحبه الطريق المناسب، الطموح يحتاج صاحبه إلى النشاط والحيوية، وإلا يتحول الطموح إلى رغبة مجردة من تحقق النتائج، وهذا ما نلاحظه على بعض من فاقت طموحاتهم إمكاناتهم المادية، والعقلية، حتى آل بهم الأمر إلى الإفلاس، والسجون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي