FINANCIAL TIMES

تقلبات السوق تؤكد أهمية الصين في الاقتصاد العالمي .. الانفصال لا يحدث

تقلبات السوق تؤكد أهمية الصين في الاقتصاد العالمي .. الانفصال لا يحدث

من السمات اللافتة للنظر في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 -2009 أنه لم يكن هناك رد فعل عنيف ضد التمويل الدولي على نحو يمكن مقارنته بالتراجع عن الإنتاج المعولم. والأمر الأكثر غرابة هو أن رأس المال العالمي يبدو غير مكترث لإدارة بايدن التي تسير على خطى دونالد ترمب في السعي لفك الارتباط الاقتصادي مع الصين.
هذا يجعل التخلص بالجملة من السندات والأسهم الصينية من قبل مديري الصناديق في العالم المتقدم، الذي حدث في الأيام الماضية - متزامنا مع هجوم بكين المستمر على عمالقة التكنولوجيا الصينيين وهجومها الجديد على صناعة التعليم الخاص الصينية - تحولا مذهلا. ويتضاعف هذا الأمر، بالنظر إلى الزخم الهائل للتدفقات القياسية المتجهة إلى الصين.
لقد ارتفع مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الصين من 587 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.9 تريليون دولار في عام 2020. وبينما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في العام الماضي 35 في المائة إلى تريليون دولار، ارتفعت التدفقات إلى الصين من 141 مليار دولار إلى 149 مليار دولار، ما يعكس جزئيا بلا شك تصورات التعافي السريع للغاية من كوفيد -19.
كما اشترى المستثمرون الأجانب ما قيمته 35 مليار دولار من الأسهم الصينية الداخلية و75 مليار دولار من السندات الحكومية في النصف الأول من هذا العام، وفي كل حالة هناك زيادة 50 في المائة عن مستويات ما قبل كوفيد المزدهرة في عام 2019. أما بالنسبة للشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، حتى هذا الشهر، تجاهل المستثمرون إلى حد كبير تهديدات الإدارة بشطب أولئك الذين فشلوا في تلبية متطلبات الامتثال الصارمة الخاصة بعمليات التدقيق. وكذلك الأمر بالنسبة لحظر الاستثمار في الشركات الصينية التي لها صلات بالجيش.
يشير نيكولاس لاردي، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أن الانفصال الاقتصادي العالمي عن الصين ببساطة لا يحدث. بل في الواقع "يستمر اندماج الصين في الاقتصاد العالمي في التعمق في بعض الأبعاد الحاسمة".
ويعكس ذلك جزئيا التزام قيادة بكين بالتحرير التدريجي للنظام المالي. فأجود مستثمري وول ستريت، المفتونين باحتمال وجود فخار صيني من الذهب في نهاية قوس قزح العالمي، تم تشجيعهم أخيرا من قبل الجهات التنظيمية في بكين عبر إرخاء قواعد الملكية والسماح بالاستحواذ على حصص مسيطرة في شركات الأوراق المالية الصينية ومجموعات إدارة الصناديق.
ومن خلال تخفيف القيود المفروضة على تدفقات السندات والأسهم، ساعدت السلطات الصينية على تخفيف مشكلات الملاءة المالية لصناديق التقاعد الأمريكية والأوروبية المفرطة في التوسع. وعلى خلفية ارتفاع قيمة الرنمينبي، وجد هؤلاء المستثمرون عوائد أكثر سخاء في سوق السندات الصينية مقارنة بالولايات المتحدة أو أوروبا.
في الوقت نفسه، تتيح الأسهم الصينية المحلية، وتلك المدرجة منها في الولايات المتحدة، الوصول إلى قطاع التكنولوجيا النابض بالحياة. تقدر مجموعة روديوم، وهي شركة أبحاث، أن المستثمرين الأمريكيين امتلكوا 1.1 تريليون دولار من الأسهم الصادرة عن الشركات الصينية في نهاية عام 2020.
وتشير اضطرابات الأسواق في الأسبوع الماضي إلى أن المستثمرين في العالم المتقدم قد حطوا من قدر الأهمية التي يوليها الحزب الشيوعي الصيني للسيطرة والاستقرار الاجتماعي. فبكين عازمة على تحجيم عمالقة التكنولوجيا وكسب سيطرة أكبر على البيانات. إن حملتها على سوق التعليم الخاص مصممة لجعل التعليم أقل ملاءمة للنخبة.
كما أن القيادة عازمة على عرقلة جهود مجلس الرقابة على محاسبة الشركات العامة الأمريكية للوصول إلى وثائق الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة. ويشير الدبلوماسي السابق، روجر غارسايد، في كتابه إلى أن تهديدات أمريكية بشطب إدراج الشركات الصينية التي تفشل في الامتثال بأنها ليست تهديدات فارغة. وهو يرى أن التوترات بشأن قضايا أسواق رأس المال قد تتصاعد إلى حد الخطورة.
إن نطاق الانتقام الصيني حقيقي بالقدر نفسه، ولا سيما فيما يتعلق بما يسمى الكيانات ذات المصلحة المتغيرة، التي من خلالها يمكن للمستثمرين الأمريكيين الوصول إلى الأسهم الصينية. الحظر المفاجئ الذي فرضته بكين على استخدام شركات التدريس الخصوصي سلط الضوء على المخاطر الكامنة في ترتيب يمنح فقط حقوق ملكية هشة ولا يمنح أي حقوق سيطرة على الإطلاق في جميع الشركات الصينية الداخلية.
إذا استمر العداء لرأس المال الأجنبي في الازدياد، فإن الصين ستدفع الثمن. حتى الآن، تطلع بكين إلى أن يصبح الرنمينبي عملة احتياطي عالمية خدم بشكل جيد من خلال أسواقها المالية المحررة. مع ذلك، الخطوة الأساسية التالية - تحرير حساب رأس المال - كانت دائما تمثل تحديا للحزب لأنها تنطوي على فقدان السيطرة. وسيصبح الأمر أكثر صعوبة إذا انخفضت التدفقات الأجنبية الداخلة التي تعوض هروب رأس المال الذي أطلقه الصينيون الأثرياء الذين لا يثقون في النظام.
للولايات المتحدة والصين مصلحة مشتركة في استمرار الاعتماد المالي المتبادل بينهما. لكن كما هو الحال مع المنافسة الجيوسياسية الأوسع، فإن الخطر يكمن في خروج الاحتكاك عن السيطرة. لم تعد الكيمياء المالية العالمية التي يساعد من خلالها الصينيون الفقراء نسبيا على تمويل معاشات الدول الغنية التقاعدية أمرا مفروغا منه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES