Author

الفحم يحترق في صمت

|
مختص في شؤون الطاقة
قد يعتقد البعض من غير المختصين، والمتابعين لقطاع الطاقة بسبب الحملات المتتالية على النفط ووضعه في قفص الاتهام، أن الفحم لم يعد مصدرا من مصادر الطاقة، أو لم يعد ضمن أهم مصادرها على أقل تقدير، بل إن بعض المختصين والإعلاميين الذين يزعمون أنهم حاملو لواء حماية كوكب الأرض من التلوث، لربما نسوا أو تناسوا حقيقة أن الفحم ما زال يلعب دورا أساسيا كمصدر رئيس من مصادر الطاقة في العالم.
قبل عام تقريبا أفردت مقالا حول هذا الموضوع بعنوان: "بين النفط والفحم .. أين توارت المهنية؟" أبديت فيه مخاوفي من أن ينجرف البعض بحسن أو سوء نية خلف هذه الحملات الإعلامية أو الإعلانية في بعض الأحيان، فالنفط ليس حكرا على الطاقة ورغم ذلك سيبقى أحد اللاعبين الرئيسين في مصادر الطاقة العالمية. ذكرت فيه أن ندرة تسليط الضوء إعلاميا على الفحم كمصدر رئيس للطاقة في العالم إذا ما تمت مقارنته بالزخم الإعلامي القوي والمناهض للنفط ولكل ما يتعلق به، وتضخيم أي خبر سلبي عنه، يقودنا لسؤال مشروع: "أين توارت مهنية الإعلام؟" وهل للتغاضي عن سلبيات استخدام الفحم لتوليد الطاقة علاقة بالدول المنتجة له؟ إذا ما علمنا أن إنتاج الفحم يتركز في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية وأستراليا والصين والهند بدرجات متفاوتة. منذ الثورة الصناعية استمر الفحم مصدرا رئيسا للطاقة واستمر كذلك حتى يومنا هذا وإن تغيرت المعادلة نسبيا، وتبدلت المراكز مع الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، لكنه ما زال موجودا ومصدرا رئيسا للطاقة، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها مهما كانت المبررات. قبل أكثر من عام اطلعت على تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي ذكر أن انتعاش الطلب العالمي على الفحم استمر في عام 2018، بسبب النمو في توليد طاقة الفحم الذي وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، ورغم التقديرات بأن توليد الطاقة من الفحم قد انخفض عام 2019 إلا أن هذا يبدو أنه نتج عن ظروف معينة في بعض المناطق المحددة ومن غير المرجح أن تكون بداية لاتجاه دائم.
ذكر التقرير أيضا أن على المدى القريب من المتوقع أن يظل الطلب العالمي على الفحم مستقرا بدعم من السوق الصينية التي تمثل نصف الاستهلاك العالمي. بكل تجرد خلال هذا العام ومع التحولات السياسية والاقتصادية التي مر بها العالم، ومع الزخم الإعلامي المكثف حول قضايا البيئة وتغير المناخ، بل مع تجاوز هذا الطرح للإعلام أصبح الشغل الشاغل لكثير من الدول وبيوت الخبرة توقعات بأن يترجم هذا المجهود والعمل الدؤوب على أرض الواقع بأن يقل النمو على الطلب على الفحم، أو يستقر على أقل تقدير، فهل حدث ذلك؟ الطلب على الفحم انخفض العام الماضي بسبب جائحة كورونا، وانخفاض أسعار الغاز عالميا بنسبة مؤثرة، حيث انخفض إنتاجه في أمريكا نحو 24 في المائة.
لكن بحسب إدارة الطاقة الأمريكية سترتفع صادرات الفحم الأمريكية بنحو 26 في المائة العام الجاري، بسبب ارتفاع أسعار الغاز، إضافة إلى التعافي الاقتصادي الملحوظ من جائحة كورونا. في رأيي أن الفحم سيستمر في الاحتراق لمدة طويلة في صمت خارج صندوق الاتهام من حماة كوكب الأرض.
إنشرها