Author

«الوكز» .. التغيير الناعم

|

* متخصص في الاقتصاد السلوكي

يزداد فهمنا للطبيعة البشرية بالبحوث المستمرة وتطور المجتمعات ونضوجها مع المتغيرات المعاصرة لها، وتتجدد الحاجة دوما إلى مفاهيم مبسطة عند التعامل مع النفس الإنسانية، الأمر الذي أكسب مفهوم "الوكز" شعبية أكبر من المتوقع كوسيلة حديثة لحفز السلوك المجتمعي إيجابيا.
تناول عديد من علماء الاقتصاد نظرية الوكز - أو Nudge بالإنجليزية - في أوراقهم أو بحوثهم العلمية من قبل، ولكن الكتاب الذي أصدره العالمان ثالر وسانستين في 2008، وضع هذا المفهوم في مرتبة متقدمة كأنسب حل للتعامل بنعومة مع التوجهات السلوكية للمجتمعات الحالية.
ابتعاد العلماء عن النظريات المثالية الفلسفية واتباع طرق واقعية أكثر تقوم على دراسة ميول مجتمع بعينه بصورة مباشرة، كان أمرا جيدا، أثبت نجاحه عند قياس النتائج المتأتية من التطبيق العملي لمثل هذه الأساليب. فما الـNudge "الوكز"؟ وهل يستحق منا كل هذا الاهتمام؟.
ربما أقرب مثال للوكز أو النكز هو، ما نجده في تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل: "فيسبوك"، حيث هناك زر أو خيار يقترح عليك وكز أو نكز أحدهم، يمكنك استخدامه بين الحين والآخر للفت انتباه صديق ولأي سبب كان، وكذلك ظهور أيقونة الموافقة على التبرع بالأعضاء في تطبيق "توكلنا".
وبالفهم نفسه، يستخدم الوكز السلوكي كوسيلة للتحفيز بصورة غير مباشرة، أو للفت الانتباه بسلاسة ونعومة، ما يجعله مناسبا للتطبيق على كل المجالات الصحية والاجتماعية والتعليمية، وبكل تأكيد على القطاع الاقتصادي.
الوكز في الاقتصاد السلوكي هو، الدفع أو التعزيز بشكل غير مباشر، والاقتراحات الإيجابية المبطنة، التي تهدف إلى التأثير في السلوك واتخاذ القرار بالنسبة إلى المجموعات أو الأفراد.
الوكزة تختلف عن الطرق الكلاسيكية في الإجبار الصارم والمباشر سواء أكان ذلك للفرد أم للمجتمع من أجل تقويمه، لذا هي تتماشى مع ارتفاع نسبة الوعي العام والتخصص التعليمي وتقدم الأمم.
كانت المملكة المتحدة أول من أنشأ وحدة مؤسسية تطبق منهجية الوكز للتوجيه السلوكي عام 2010، ثم تبعتها أمريكا وألمانيا واليابان ودول الخليج ولبنان وغيرها، حتى وصل عدد هذه الوحدات بعد عشرة أعوام من إنشاء الأولى إلى أكثر من 130 وحدة حول العالم.
من مميزات الوكزة أنها ليست إجبارية، وتوفر أقل نسبة تدخل، ما يقلل أيضا ردود الفعل غير الضرورية عليها، إضافة إلى أنها رخيصة من ناحية التكلفة. مثلا، لا يمكنك إجبار المواطنين على ادخار مبالغ إضافية من مدخولاتهم الشخصية، لكن يمكنك عرض برنامج استقطاع شهري جذاب من الراتب، يلبي حاجة الفئة المستهدفة مع مميزات خاصة للمنخرطين فيه.
الحفز السلوكي الاقتصادي يوجه السلوك نحو الخيارات الأفضل، من خلال التحكم في بيئة الاختيار ذاتها، وهو ما يعرف بإعادة هندسة الاختيار، وتصميم طرق مختلفة لعرض الخيارات الأكثر رشادة للمستهلكين.
وحدات تطبيق الاقتصاد السلوكي أو مؤسسات الوكز، أصبحت حاجة ملحة لكل القطاعات الحكومية والخاصة، لتأثيرها السريع وتكلفتها المنخفضة وإيجابيتها.

إنشرها