default Author

لحوم من الهواء

|
ليس الهدف من رحلات الفضاء اكتشاف المجهول والبحث عن أرض جديدة ليعيش الإنسان عليها في المستقبل فقط، بعد أن بدأت الأرض تضيق بساكنيها، فخلال القرن الـ20 ازداد عدد سكان الأرض أربعة أضعاف، وتشير التقديرات إلى أن العدد سيصل إلى عشرة مليارات إنسان بحلول عام 2050، بل تجرى على متن تلك السفن الفضائية عشرات التجارب على كيفية العيش خارج مجرتنا ونوع غذائنا والأمراض التي قد تصيب الإنسان مع تغير محيطه!
ومن خلال هذه التجارب توصل العلماء إلى إمكانية صناعة الغذاء من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه رواد الفضاء بمساعدة ميكروبات وحيدة الخلية "هيدروجينوتروف" وتحويله إلى بروتينات مغذية، على شكل مسحوق عديم النكهة، كما يمكن استخدامه لصناعة الأطعمة المختلفة. والمميز أن هذه العملية لا تحتاج إلى ضوء!
في عام 2019، تمكن باحثون في شركة "أير بروتين" الأمريكية، من تحويل ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء إلى لحوم صناعية دون الحاجة إلى أراض زراعية أو حيوانات، وبذلك يتخلص العالم من أحد أكبر مصادر التلوث وغازات للاحتباس الحراري الناتجة عن الزراعة الأفقية على مساحات شاسعة من الأراضي واستهلاك كمية كبيرة من المياه والانبعاثات التي تصدر عنها وتشكل نسبة أعلى مما ينتجه قطاع النقل عامة، من سيارات وطائرات وشاحنات، وتتميز هذه اللحوم بخلوها من الهرمونات والمضادات الحيوية والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب. وتعددت أنواعها، فينتج منها لحوم الدواجن والأبقار والمأكولات البحرية!
أما شركة "سولار فودز" الفنلندية، فأنتجت مسحوق بروتين جديد يشبه في شكله ومذاقه دقيق القمح، أطلقت عليه اسم "سولين"، وذلك بتفكيك الهواء إلى مكوناته الأساسية، الهيدروجين والأكسجين بوساطة الكهرباء، ومن ثم استخدام الهيدروجين لتزويد البكتيريا بالطاقة اللازمة لتحويل ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين الموجودين في الهواء إلى بروتين بمساعدة الطاقة الشمسية المتجددة لتعزيز عملية التخمير الطبيعية. لذا، كن مستعدا في القريب العاجل لتناول برجر خال من اللحم البقري، وامتلاء أرفف البقالات باللحم الصناعي وعصائر البروتين والزبادي المصنوع من دون حليب. والأجمل أنك قد تستطيع عمل كل ذلك داخل منزلك، وفي الأماكن التي يستحيل فيها الزراعة أو تربية الحيوانات، أو المناطق التي تعاني الجفاف أو شح الماء وانعدام الظروف المناخية والطبيعية الملائمة للزراعة.
فكما شهدنا قبل نحو عامين، تحول العالم في أيام قليلة، وخلت الشوارع من المارة والسيارات، بعد أن كان من المستحيل على العقل البشري تصور ذلك. قد نرى في الأعوام المقبلة عالما بلا زراعة ولا تربية حيوانات!
إنشرها