الريف المنكوب في الهند يهدد بتقويض الانتعاش

الريف المنكوب في الهند يهدد بتقويض الانتعاش

شهدت الأسواق المالية في الهند انتعاشا قويا من الركود الناجم عن الموجة الثانية المدمرة لفيروس كورونا في البلاد، حيث اقتربت الأسهم من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
لكن خارج المدن، لا تزال العائلات الريفية تجمع شتات حياتها مرة أخرى حتى مع تحذير مسؤولي الصحة العامة من أن هناك موجة ثالثة تلوح في الأفق.
قال دارماكيرتي جوشي، كبير الاقتصاديين في CRISIL، وكالة للتصنيف الائتماني: "قد ترى عودة الأرقام الرئيسة، لكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام".
جرى الكشف عن التكلفة البشرية الصاعقة لموجة كوفيد الهندية الشهر الماضي من خلال لقطات بطائرة دون طيار أظهرت مئات المقابر الضحلة على طول نهر الغانج.
رغم دفعة التطعيمات المتسارعة، يحذر المحللون من أن الكارثة تلقي بثقلها على الآفاق الاقتصادية للهند، ما يضعف الطلب الاستهلاكي الذي يأمل صانعو السياسة أنه سينعش النمو.
رأى جهانجير عزيز، رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة في "جيه بي مورجان"، أن "السكان يعانون صدمة نفسية. سيتم تأجيل جميع خطط الاستثمار -جميع خطط الاستهلاك الدائم".
حتى مع ظهور متغير دلتا، الذي اكتشفه العلماء الهنود لأول مرة في ريف ولاية ماهاراشترا في فبراير الماضي، كان من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الهندي نموا بأرقام من خانتين بعد انكماش بنسبة 7.3 في المائة العام الماضي. لكن الموجة الثانية دفعت مؤشر ثقة المستهلكين من بنك الاحتياطي الهندي إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 48.5 نقطة، منخفضا من 84 قبل الوباء. منذ الأول من أبريل، من المعروف أن الفيروس أصاب نحو 18 مليون شخص وأودى بحياة 232 ألف شخص على الأقل. يعتقد المحللون أن الخسائر الحقيقية أعلى بكثير.
خفض بنك الاحتياطي الهندي أخيرا، من تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام إلى 9.5 في المائة، انخفاضا من 10.5 في المائة. يتوقع "جيه بي مورجان" أن تنمو الهند بنسبة 9 في المائة فقط، وهو ما قال عزيز إنه سيجعل الاقتصاد أصغر بنحو 10 في المائة من المستويات المتوقعة لما قبل الوباء.
وأضاف: "أي شخص مرتبط بالسوق العالمية سيبلي بلاء حسنا. لكن الاستهلاك الهندي والاستثمارات الهندية والشركات الهندية الصغيرة ستتضرر عند مستوى يصعب على المرء حتى تخيله. بخلاف الأساسيات، سيكون الناس حذرين للغاية بشأن الشراء".
تضرر عمال الهند بشدة العام الماضي عندما تبخرت 100 مليون وظيفة بين عشية وضحاها في ظل إغلاق صارم، ما أدى إلى نزوح جماعي إلى الريف. بحلول أواخر عام 2020، كان ما يقدر بنحو 15 مليون عامل حضري سابقا لا يزالون عاطلين عن العمل، في حين أن الذين لديهم وظائف كانوا يكسبون أقل من ذي قبل، وفقا لدراسة أجرتها جامعة عظيم بريمجي.
الأداء القوي في الزراعة، الذي نما بنسبة 3.6 في المائة العام الماضي بفضل الأمطار الموسمية الوفيرة، والإنفاق الحكومي الضخم على خطط العمل في المناطق الريفية ساعد على تخفيف الضربة. لكن في بلد يتحمل فيه المرضى تكاليف نحو 70 في المائة من الإنفاق الصحي، فإن اندفاع حالات كوفيد أجبرت ملايين العائلات على اللجوء إلى المدخرات أو بيع الأصول أو الاقتراض لعلاج أحبائهم المرضى.
تخاطر هذه الصدمة بإحباط معنويات المستهلكين لأشهر، خاصة بين أسر الطبقة المتوسطة والعاملة. قال جوشي: "النفقات الصحية تستنزف ميزانيات الأسر، ولا سيما الأسر الفقيرة".
قال شوبناث باتيل، مدرب كاراتيه يبلغ من العمر 38 عاما، في ريف أوتار براديش، إن عائلته كافحت منذ أن فرض الوباء إلغاء فصوله الدراسية، وفقد اثنان من أبناء أخيه وظائفهم في صناعة السيارات وانهارت شركة طلاء المنازل التي يمتلكها شقيقه.
عندما أصيب شقيقه الأكبر بكوفيد في أبريل، استنفدت الأسرة مدخراتها البالغة 80 ألف روبية (1,080 دولارا) على سيارة إسعاف لمدينة فاراناسي القريبة، ورسوم الأطباء، وأسطوانة الأكسجين، والأدوية وفواتير المستشفيات في محاولة فاشلة لإبقائه على قيد الحياة.
عانت عائلات أخرى في قرية باتيل، باتيروا نكسات مماثلة، حيث أصاب الفيروس فردا واحدا على الأقل من كل أسرة، وأودى بحياة نحو 12 شخصا.
أوضح باتيل لـ "فاينانشيال تايمز" أن "الوضع الاقتصادي لمعظم الناس يمر بمرحلة حساسة للغاية. كثير من الناس أنفقوا كثيرا من المال على علاج أفراد الأسرة. يجب تأجيل الزيجات وخطط بناء المنازل أو أي من هذه الأشياء الكبيرة. عانت كل أسرة".
بعد اندلاع الموجة الثانية، يبدو أن كثيرا من الهنود مستسلمون لحتمية قدوم موجة ثالثة وستؤثر في الطلب. قال جوشي: "هناك قدر هائل من عدم اليقين. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمدى شدة الموجة الأخرى".
قدمت الهند حتى الآن 315 مليون جرعة لقاح، أو نحو 23 جرعة لكل 100 شخص، وما تزال أقل بكثير من عتبة إعادة الانفتاح الاقتصادي الآمن، رغم تسارع وتيرة التطعيم. لكن، كما أشار عزيز من "جيه بي مورجان" إلى أن "أي زيادة في التنقل تنطوي على مخاطر إعادة إشعال موجة أخرى".
لا يشعر الجميع بالتشاؤم. قال سوراب موخيرجي، مؤسس شركة Marcellus Investment Managers، إن "نشاط الأعمال يتعافى بسرعة" مع تخفيف القيود، في حين أن القلق بشأن النقل العام، إلى جانب التمويل الرخيص، يؤجج الطلب على السيارات والدراجات النارية. أضاف: "لا أحد يريد ركوب المواصلات العامة".
لكنه اعترف بأن استدامة أي انتعاش في الطلب الاستهلاكي يعتمد على مسار الفيروس "إذا انطلقنا نحو موجة ثالثة مرة أخرى، فسنعود إلى الركود."

الأكثر قراءة