Author

التطوير .. المفهوم والإجراءات

|
يتم استخدام كلمة تطوير بشكل مستمر، وفي كثير من المجالات، فيتم تداولها عند الحديث عن البنية التحتية في دولة، أو مدينة، كالمواصلات العامة، أو خدمات الكهرباء، والماء، والهاتف، كما يتم استخدام المصطلح في المجال الاقتصادي، خصوصا عندما يتم التفكير في تحسين أدوات الإنتاج بهدف زيادته، أو التفكير في مصادر جديدة تدعم الاقتصاد الوطني لوطن من الأوطان، كذلك الحال في الإعلام، والصحة، والتعليم، حيث يتم تطوير البرامج التعليمية لتتناسب مع التطورات المعرفية، والمستجدات التقنية لرفع كفاءة المؤسسة التعليمية.
التطوير في المجالات المادية رغم صعوبة، ومشقة العمل عليه، وارتفاع تكلفته إلا أنه غالبا يتحقق، وعلى مستوى عال من الجودة، فعلى سبيل المثال لا الحصر تطوير الطرق في كثير من العالم يتم ذلك مع العوائق الجغرافية، والطوبوغرافية، فعلى سبيل المثال، تم الربط بين بريطانيا وفرنسا عبر بحر المانش بقطار رغم صعوبة تصور تحقيق سير القطار تحت الماء، كما أن من الأمثلة ما تحقق في المملكة، حيث شقت الإنفاق في المناطق الجبلية الصلبة، والوعرة، كما في مكة المكرمة، والمنطقة الجنوبية، وغيرها من المناطق.
مجالات يمكن تسميتها بالناعمة تخضع للتطوير، كما في حالة التطوير في المجال الإداري، وقد شكلت لجان ومجالس في المملكة بهدف تطوير الأجهزة الإدارية من حيث هيكلتها وأنظمتها، وذلك بهدف تخطي، أو التقليل من المشكلات التي تواجهها الأجهزة الحكومية في تنفيذ مشاريعها المنوطة بها، ولعل النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، وكذلك نظام المناطق ما هي إلا أمثلة على التطوير الإداري، علما أن التطوير في هذا المجال مستمر، ولن يتوقف عند مرحلة زمنية معينة، بل يأتي نتيجة ما تقتضيه الحاجة، والتغيرات الحياتية، على الصعيدين المحلي والعالمي.
قبل بضعة أعوام ظهر على الساحتين المحلية والإقليمية ما سمي بتطوير الشخصية، وتطوير الذات، وخاض في هذا المجال المختص، وغير المختص، وتم إيهام الناس الراغبين في إحداث تغيير في ذواتهم بهدف تحسين بعض الجوانب لديهم، سواء في سلوكهم، وطريقة تعاملهم مع الناس، وطريقة تفكيرهم، بل بلغ الأمر في الإيهام إلى إمكانية التغيير في السمات، والخصائص الثابتة لدى الفرد، وعقدت دورات، وألفت، كتب وطرحت إعلانات بهدف ترغيب الناس للالتحاق بهذه الدورات، أو اقتناء الكتب المنشورة في هذا المجال، وقد أثرى الكثير ممن عقد الدورات، وألف الكتب، لكن الملتحقون بها لم يجدوا ما كانوا يتوقعونه منها، رغم ضخامة المبالغ المالية التي دفعوها فيها.
هذه الدورات، وكذا الكتب، والأدلة الخاصة بتطوير الذات، والشخصية انسحبت من السوق، ليس زهدا في أصحابها، بل لأن الجمهور أدرك عدم فعاليتها، وأن الهالة التي أحيطت بها مجرد فقاعة تطايرت مع خبرة الناس فيها. وما فشل هذه الدورات إلا لعدم إدراك حقيقة البشرية نفسها، وتعقد تكوينها، فالدورة التي تعقد يحضرها العشرات، وكل واحد من الحضور له كينونة خاصة به، وخلفية، وخصائص تميزه عن غيره مما لا يحقق نتائج ملموسة لتباين الناس في كثير من الأشياء.
لا يمكن إنكار أن الإنسان يتغير، فهذه سنة الله في خلقه، لكن ما نسبة التغير، وما طبيعته وما الأمور غير القابلة للتغير؟ فالقابلية للتغير هي أساس تطوير الفرد لذاته من خلال ما يكتسبه من معارف، وخبرات، ومواقف حياتية، ومن تطور طبيعي تفرضه المراحل العمرية التي يمر بها، لكن لا يمكن قبول أن دورة عابرة لساعات سيكون لها أثر واضح في الفرد، وكأنه جهاز يمكن تغييره بجهاز التحكم عن بعد.
تطوير الأداء مصطلح يتم طرحه بين فينة وأخرى من قبل كثير من الأجهزة الحكومية، والشركات، ولا شك في أهمية ذلك، فالكل يجتهد ليطور أداءه كفرد، أو منشأة تمارس أي نشاط من الأنشطة لأن في تطوير الأداء فرصة كبيرة للبقاء في الميدان، وعدم الخروج نتيجة المنافسة الشديدة.
بهدف تطوير الأداء بصورة علمية يلزم الأخذ بمجموعة من الإجراءات أولها تحديد الشيء المراد تطويره بشكل دقيق وموضوعي، حيث لا يتداخل مع شيء آخر، ولو كانت طبيعته تتداخل فلا بد من معرفة ما يميز كل منهما، وما الجزء، أو الأجزاء التي يشتركان فيها. وبعد تحديد المراد تطويره يلزم وضع أدوات قياس تكشف لنا واقع الشيء وتحديد إيجابياته وسلبياته قبل تطويره وأثناء مراحل التطوير وبعد استكمال المراحل، كما يجب توفير الاحتياجات المادية والبشرية اللازمة للتطوير، وسن الأنظمة المساعدة على إحداث التطوير، كما يلزم وضع المؤشرات الدالة على تحقيق تطوير الأداء، فالأداء في مصنع زجاج قد يكون كثرة الإنتاج، لكن مع جودة أقل، أو قد يكون جودة عالية مع كمية إنتاج أقل، على سبيل المثال.
إنشرها