Author

الصندوق التقاعدي .. من العجز المالي إلى دعم التنمية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
استكمالا لما تم اقتراحه في المقال السابق: "الحلول المتاحة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية" الذي تركز حول أهمية أن تتبنى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بصفتها الجديدة "الصندوق التقاعدي" لحلين رئيسين، الحل الأول: المتعلق بزيادة متحصلات اشتراكات التقاعد بالاعتماد على إلزام جميع المنشآت وأصحاب الأعمال الخاضعين للنظام، بدفع 9 في المائة من أجور العمالة الوافدة دون تحديد سقف أعلى للأجور المدفوعة ويودع في فرع المعاشات، زائدا 1.0 في المائة من الأجور لحساب «ساند»، والتأكيد هنا على عدم الاستقطاع بأي نسبة كانت من الأجور التي تتسلمها العمالة الوافدة، فيظل الالتزام قائما فقط على المنشأة. الحل الثاني: المتعلق بزيادة عوائد الاستثمار المالية والعقارية عموما، والتركيز بصورة أكبر على زيادة عوائد الاستثمارات العقارية، لتوافر مساحات كبيرة جدا من الأراضي لدى الصندوق التقاعدي خلال الفترة الراهنة، ولم يتم بعد استخدام وتطوير مساحات كبيرة منها، والحل المطروح هنا أن يتبنى الصندوق استراتيجيات استثمارية أسرع وأكبر لتحويل تلك الأصول الخاملة استثماريا إلى أصول نشطة استثماريا، التي ستسهم عوائدها المتحققة بصورة كبيرة في تعزيز الموارد المالية للصندوق.
تبين التقديرات الأولية قياسا على حجم العمالة الوافدة في سوق العمل المحلية "أكثر من 6.4 مليون عامل بنهاية الربع الأول 2021"، بإجمالي أجور سنوية تناهز 205.6 مليار ريال سنويا "168.6 مليار ريال للقطاع الخاص، ونحو 37.0 مليار ريال للقطاع العام"، أنه تحقيق تدفقات داخلة على الصندوق التقاعدي بين 15.0 مليار ريال إلى 18.0 مليار ريال سنويا. أما بالنسبة للعوائد المقدرة من تبني الحل الثاني، فيقدر أن ترتفع إلى أعلى من 50.0 مليار ريال سنويا، ويمكن تحقيق عوائد أعلى من تلك التقديرات المتحفظة كلما جاءت استراتيجيات الاستثمار المعمول بها أعلى كفاءة. ووفقا لهذه التقديرات يمكن للصندوق التقاعدي أن يحقق نقلة كمية ونوعية على حد سواء، على مستوى الخيارات المتاحة لديه في هذا الاتجاه، وأن ينتقل من منشأة تبحث عن معالجة العجز المالي لديها، إلى منشأة أكثر متانة وأقوى من حيث مركزها المالي، متجاوزة حدود الاكتفاء وتحقيق الفوائض المالية الجيدة، إلى ما هو أبعد من كل ذلك، وصولا إلى المساهمة في زيادة ضخ الاستثمارات اللازمة في أغلب النشاطات الإنتاجية المهمة للاقتصاد الوطني، التي بدورها ستسهم في الدفع بوتائر أسرع للنمو الاقتصادي، والمساهمة أيضا في زيادة فرص العمل المجدية والكريمة أمام المواطنين والمواطنات الباحثين عن عمل، التي ستسهم بدورها في زيادة التدفقات المالية الداخلة على الصندوق التقاعدي، ووفقا لمسارات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التوطين وخفض معدلات البطالة، إضافة إلى تحسن مستويات الدخل ودورها في زيادة الطلب على منتجات وخدمات القطاع الخاص، بما سيعزز كثيرا من نمو القطاع، ويسهم بصورة ملموسة في زيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني، وتنويع قاعدته الإنتاجية في الأجلين المتوسط والطويل، التي ستصب نتائجها الإيجابية مجتمعة في مصلحة التقدم بخطى أسرع وأكبر للتنمية الشاملة والمستدامة.
تحمل مضامين الحلول المقترحة أعلاه، ما يمكن وصفه بالآليات التي ستنقل الصندوق التقاعدي إلى موقع مشابه إلى حد بعيد لصندوق الاستثمارات العامة، الذي يقوم بأدوار عملاقة جدا على المستوى التنموي والاقتصادي والاستثماري، وأن إضفاء مزيد من القوة والمتانة المالية الذي تحمله تلك الحلول لمصلحة الصندوق التقاعدي، ستنتج عنه إضافة رافد اقتصادي ومالي واستثماري عملاق آخر إلى جانب صندوق الاستثمارات العامة، الذي سيسهم في الدفع بصورة أسرع وأكبر على مستوى تطلعات الاقتصاد الوطني حتى 2030.
إنها المكاسب التي ستتجاوز بتحققها - بمشيئة الله - حدود الصندوق التقاعدي، لتنقله إلى ثقل مالي عملاق يصدر دعمه المستمر والمتصاعد لمصلحة التنمية الشاملة والمستدامة، ويمكنه من خلال تبني الاستراتيجيات الاستثمارية الأكفأ والأكثر جدوى، بتعميق شراكاته مع القطاع الخاص، والدفع بها إلى مواقع لم تكن في الحسبان، سيترتب على تشكلها وتطورها تحقيق مزيد من التنوع الإنتاجي المأمول للاقتصاد الوطني، ونمو قياسي لبيئة الأعمال المحلية، تفرز معها آلاف الفرص الاستثمارية محليا، ويتضاعف بالتزامن مع تحققها على أرض الواقع مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة والمجدية، وهي التطلعات التي تلتقي بنسبة 100 في المائة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتجعل الجميع (حكومة، قطاعا خاصا، مجتمعا) في موقع أفضل يمكن له جني أغلب المكاسب المتحققة من نجاحها، بتوفيق الله أولا، ثم بتكامل الجهود المبذولة من الأطراف ذات العلاقة كافة.
إنني على يقين تام - بمشيئة الله تعالى - أن تبني تلك الحلول وغيرها من الحلول المقترحة المؤدية إلى تقوية المركز المالي للصندوق التقاعدي بهيكلته الجديدة، والاستفادة من التحولات والتطورات العملاقة التي يجري العمل على تنفيذها للاقتصاد الوطني خلال الفترة الراهنة، كل هذا ينبئ بإمكانية كبرى للانتقال بمركز الصندوق التقاعدي إلى مركزه الأقوى المستحق، الذي لن تقف عوائده عند مجرد تعزيز موارد الصندوق، بل ستمتد بتوفيق رب العزة والجلال، إلى أن يكون إحدى أهم الركائز التنموية لاقتصادنا الوطني على المستويات كافة.
إنشرها