Author

حزم التحفيز لإنقاذ النمو العالمي

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"السحب المبكر للدعم المالي يضخم الآثار المرعبة على الاقتصاد العالمي"
كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي
عادت المخاوف مجددا إلى الساحة الاقتصادية العالمية مع بدء انتشار أنواع جديدة من فيروس كوفيد - 19 المستجد. بعض الدول أقدمت على إغلاقات جديدة لاقتصاداتها وحراكها بصورة كاملة، مثل أستراليا. والبعض الآخر يفكر في إغلاقات جزئية، بعد أن كان العالم يتهيأ لفتح كل الساحات ولا سيما السياحية والخدماتية وغيرها. ويبدو واضحا، أن السلالات الجديدة من هذا الوباء الدولي الخطير، تؤثر سلبا في عمليات التقليح العالمية ضد كوفيد - 19، وهذه العمليات بلغت مستويات متقدمة بالفعل، بما في ذلك في الدول الفقيرة التي تتلقى الدعم تلو الآخر في هذا المجال من الدول الكبرى، الأمر الذي تجسد بوضوح في قمة مجموعة السبع الأخيرة التي عقدت أخيرا في بريطانيا. فضلا عن رصد الولايات المتحدة نصف مليار جرعة لهذه الدول في غضون الأشهر المتبقية من العام الجاري.
الخوف يبقى دائما مرتبطا بمسألة عودة الاقتصادات الوطنية إلى العمل مجددا، بالوتيرة التي كانت عليها قبل انتشار الجائحة. فعندما تتوقف الاقتصادات، يتوقف معها الإنتاج والخدمات والنمو، ويتعمق الركود أكثر. والمحرك الرئيس حاليا، ليس إلا حزم الدعم التي اعتمدتها الحكومات في كل الدول، وكانت بمنزلة حبل إنقاذ مرحلي. لكن هذه الحكومات تتعرض للضغوط المالية على موازناتها العامة، الأمر الذي يجعلها تتحرك في كل الاتجاهات من أجل تحريك ما أمكن من عجلات اقتصاداتها. إلى جانب طبعا ارتفاع الدين العام الذي يشكل عبئا طويل الأمد على الماليات العامة في هذا البلد أو ذاك. من هنا، تجد الحكومات المشار إليها نفسها في موقع مخيف حقا فيما لو استمرت التبعات الاقتصادية لأزمة كوفيد - 19 لأمد طويل، ولا سيما مع تجدد انتشار السلالات الجديدة لهذا الفيروس.
سيبقى الاقتصاد العالمي واقفا على عكازين وهما التحفيز النقدي والمالي. وهذا ما أكدته كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، ولذلك لا يمكن أن تسحب الحكومات حزم الإنقاذ الموجودة حاليا من الساحة، لأن عوائد وقف هذه الحزم ستكون خطيرة، وستؤدي إلى انهيارات اقتصادية جديدة. فالمؤسسات التي أنقذتها الحكومات، لن تستطيع مواصلة إنقاذها إذا ما سحبت الدعم، وهذا ينطبق على كل القطاعات دون استثناء. الاقتصاد العالمي لا يزال مريضا. والحق: إن أزمة الجائحة العالمية أكلت كثيرا الإنجازات التي تحققت في الأعوام التي سبقت الوباء، وفي مقدمتها ثبات النمو الاقتصادي العالمي، وحدوث انفراجات عديدة، باستثناء المواجهات التجارية التي سادت الساحة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بين الولايات المتحدة وكل من الصين وعدد من حلفائها الأوروبيين.
لا تزال المؤسسات الاقتصادية الدولية تنشر التفاؤل في الأجواء، لكن بحذر شديد. وهذا الحذر بات هو السائد حاليا في أعقاب موجة السلالات الجديدة لكورونا في كل القارات دون استثناء. ولذلك فإن التمسك بحزم الإنقاذ لا مناص منه، إذا ما أراد العالم الخروج نهائيا من الركود التاريخي الذي يمر به. صحيح أن الانتعاش ظهر بصورة أو بأخرى في كل الساحات في الأشهر القليلة الماضية، لكن لم يحقق أي اقتصاد حتى اليوم التعافي المأمول، خصوصا مع عدم استكمال عمليات التلقيح العالمية ضد الفيروس. من هنا، فإن المحافظة على نمو اقتصادي معقول من الآن حتى نهاية العام الجاري لن تكون سهلة، إذا ما استحكمت الموجة الجديدة قبضتها هنا وهناك. بعض السلالات قيل: إنها لا تتأثر باللقاحات المطروحة عالميا في الوقت الراهن.
التوقعات الحالية تتحدث عن نمو اقتصادي عالمي هذا العام ما بين 5.5 و6 في المائة. وهذا من تقديرات صندوق النقد الدولي، على أن يكون النمو في العام المقبل عند حدود 4.4 في المائة. لكن لا أحد يستطيع ضمان هذه المؤشرات، خصوصا مع تفاعل التداعيات التي تتركها الجائحة على الساحة. والضامن الوحيد لتحقيق هذا النمو، والخروج من الانكماش نهائيا، أن يعود الاقتصاد العالمي إلى حراك مقبول بأسرع وقت ممكن. وبالطبع لن يتم ذلك إلا ببقاء حزم الدعم، بما في ذلك حزمة الدعم الأمريكية التي تبلغ 1.9 تريليون دولار، ويعلق العالم (كما الأمريكيون) آمالا كبيرة عليها. هذا العالم لا يزال يعيش ضربات الأزمة الاقتصادية التي لم يتوقعها أحد، ولذلك فإن الدعم الحكومي سيكون المنقذ الأكبر والوحيد في هذه الفترة الحرجة. لو تمت السيطرة على السلالات الجديدة لكورونا بسرعة، فإن النمو الاقتصادي سيكون مضمونا، بما في ذلك إمكانية أن تحقق الاقتصادات المتقدمة نموا هذا العام بنسبة 5.1 في المائة، والولايات المتحدة بنحو 6.4 في المائة، والاقتصادات الناشئة والنامية 6.7 في المائة. بل يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق الهند (قبل نكسة الوباء الجديدة) نموا بنسبة 12.5 في المائة. لكن كل هذه التقديرات لا معنى لها، فيما لو استمر إغلاق الاقتصادات، وعجز العالم عن دخول دائرة التعافي الكامل، والأمل كله بل معلق في إتمام عمليات التطعيم العالمية بأسرع وقت ممكن، بصرف النظر عما إذا كانت قادرة على الوقوف ضد السلالات الجديدة من الوباء أم لا.
إنشرها