Author

مؤشر معاشات التقاعد الدولي والتحديات

|

كما هو معروف تقوم نظم التقاعد على تقديم صاحب العمل مساهمات مالية نيابة عن كل عامل أو موظف، ومن ثم تقوم الجهة المسؤولة عن نظام التقاعد باستثمار الأموال وتنميتها، لضمان دخل مناسب للعامل بعد تقاعده. وفي الوقت الحاضر، تواجه أنظمة المعاشات التقاعدية في جميع الدول تحديات أكبر من أي وقت مضى لعدد من الأسباب، منها: زيادة الدين العام، إضافة إلى الظروف الاقتصادية غير المستقرة، ومعدلات التضخم، علاوة على تأثير كوفيد - 19.
وتعنى هذه المقالة بإبراز مؤشر معاشات التقاعد العالمي Global Pension Index Mercer لعام 2020، الذي صنف أنظمة معاشات التقاعد في 39 دولة تمثل أكثر من ثلثي سكان العالم. ويقارن المؤشر أنظمة التقاعد في كل دولة بناء على ثلاثة مؤشرات فرعية، هي: الكفاية Adequacy، والاستدامة Sustainability، والنزاهة Integrity، ويأخذ المؤشر لكل دولة قيمة تراوح بين صفر و100، وذلك بالاعتماد على المتوسطات المرجحة للمؤشرات الفرعية المذكورة آنفا. وبناء عليه، فقد تم تصنيف الدول إلى أحد المستويات A, B, C, D, E. ويمثل المؤشر الفرعي للكفاية 40 في المائة من قيمة المؤشر لكل دولة، وذلك بفحص مدى فائدة نظام التقاعد لفئة الفقراء، ومعدل ادخار الأسر، ونسبة ملكية المنازل ونحوها. أما مؤشر الاستدامة الفرعي، فيمثل 35 في المائة من مجموع درجات المؤشر، ويركز على التحديات أو المخاطر التي يمكن أن تؤثر في مدى استدامة نظام التقاعد، مثل مستوى تغطية خطط المعاشات، والدين الحكومي، والنمو الاقتصادي. وأخيرا، يمثل مؤشر النزاهة الفرعي 25 في المائة من قيمة المؤشر الإجمالية، ويركز على التكاليف التشغيلية، والحوكمة، والتنظيم، وحماية خطط المعاشات التقاعدية، إضافة إلى جودة معاشات لمنسوبي القطاع الخاص.
ومن إيجابيات مؤشر المعاشات التقاعدية العالمي أنه يقدم توصيات لتحسين أنظمة التقاعد لكل دولة. وعموما، تتمثل التحديات الشائعة في معظم الدول في الحاجة إلى زيادة التغطية ليشمل التقاعد العاملين لحسابهم الخاص، وكذلك زيادة متوسط سن التقاعد لمواكبة زيادة متوسط العمر المتوقع، وتشجيع مزيد من المدخرات، وتحسين الشفافية والحوكمة لزيادة الثقة بأنظمة التقاعد.
وبناء على قيم المؤشر هناك تفاوت كبير في جودة أنظمة المعاشات التقاعدية في جميع أنحاء العالم. وتتربع هولندا على قمة قائمة أفضل نظام، تليها الدنمارك، وقد حصلتا على تقدير A، ثم حصلت مجموعة دول على تقدير B، ومنها إسرائيل وأستراليا وفنلندا والسويد وسنغافورة ونيوزيلندا وألمانيا، في حين حصلت مجموعة أخرى من الدول على تقدير C+ ومنها بلجيكا وماليزيا والمملكة المتحدة. ومن اللافت للنظر أن الولايات المتحدة لم تتمكن من الوصول إلى القمة، وكذلك جاءت اليابان في المرتبة الـ 32، بتصنيف D، ما يعكس وجود كثير من التحديات أمام اليابان التي تعاني شيخوخة السكان، فهي الأولى بين دول العالم من حيث ارتفاع نسبة كبار السن. وجاءت تايلاند والأرجنتين في أسفل القائمة مع توصيات بزيادة الدعم للفئات الأشد فقرا وتحسين الحوكمة في المعاشات التقاعدية. أما المملكة العربية السعودية، فحصلت على تقدير C، ومعها إسبانيا، وكولومبيا، وبيرو، وبولندا، وإندونيسيا، والبرازيل، وكوريا.
وأخيرا، فإن أنظمة التقاعد والصناديق الاستثمارية تواجه تحديات من وقت لآخر، لكن الحكمة في القدرة على مواجهة التحديات وتحقيق نمو في أرباح وعوائد صناديق التقاعد حتى في الأوقات الصعبة. والأمل كبير في أن دمج المؤسسة العامة للتقاعد في التأمينات الاجتماعية سيرفع كفاءة الأداء. وفي ضوء هذا الاندماج، ينبغي إعادة تقييم الذراع الاستثمارية، لتصحيح أخطاء الماضي وتحقيق عوائد أفضل، خاصة أن المملكة تشهد تحولا ديموغرافيا كبيرا يتمثل في النافذة الديموغرافية التي تتميز بارتفاع نسبة الشباب في الوقت الحاضر. ومن الضروري تبني مبدأ الشفافية ونشر تقرير سنوي يشتمل على الاستثمارات والعوائد. ولعل الاندماج الأخير يدعو إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقييم الاستثمارات الحالية والخطط المستقبلية ومن ثم وضع استراتيجية وطنية للتقاعد.

إنشرها