default Author

كنز تمبكتو

|
وسط صحراء تمبكتو مترامية الأطراف يتراءى لك من بعيد خيالات أشخاص يقطعون الفيافي والقفار يحملون صناديقهم على ظهورهم، ويبحثون عن كهف أو مغارة يخفون فيه كنزهم الثمين أو يدفنوه في الرمال داخل غرف سرية يصعب الوصول إليها، قد تعتقد أن ما أخفوه ذهب أو أحجار كريمة مما تجود به أرض إفريقيا الخصبة المليئة بالكنوز، ولكن الواقع أنهم يخفون ما هو أهم من ذلك وأثمن، كنز لا يقدر بثمن!
مدينة تمبكتو جوهرة الصحراء الكبرى وملتقى الحضارات والثقافات منذ مئات الأعوام، العاصمة الثقافية والتراثية لجمهورية مالي. مدينه تناساها التاريخ وتكالبت عليها الحروب لغزوها ونهب كنوزها، أسست عام 1100 كانت عبارة عن مركز تجاري بسيط حولها موقعها الاستراتيجي كنقطة تلاقي لطريقين تجاريين أساسيين إلى المدينة الحلم، التي يطمع فيها حكام المقاطعات والدول الأخرى، حيث تلتقي القوافل التي تجلب الملح عبر الصحراء بالتجار الذين جلبوا الذهب من أعماق إفريقيا. في أواخر القرن الـ13 زاد غنى تمبكتو ما دفع بحكام إمبراطورية مالي إحدى ثلاث إمبراطوريات إفريقية غربية سيطرت على التجارة عبر الصحراء، وهي إمبراطورية "غانا ومالي و صونغاي" إلى تشييد المعالم والأكاديميات التي جذبت العلماء من شمال إفريقيا وإسبانيا وتطور فيها التعليم والتجارة، ما دفع إمبراطور صونغاي لغزوها وتدمير المباني وقتل العلماء، ولكنها سرعان ما استعادت مكانتها وعادت على يد أسكيا محمد توره الذي شجع على التعليم سواء الديني الإسلامي أو العلوم البحتة، وأصبح العلم بضاعتها الحقيقية والأكثر رواجا بالورق القادم من فينيسيا، وبحبر زاهي الألوان مستخرج من النباتات والمعادن المحلية تدعمه تجارة الملح والذهب!
أنتج كتبة تمبكتو نصوصا باللغة العربية واللغات المحلية مكتوبة بالخط العربي ومزخرفة بتصاميم هندسية معقدة، كانت كتب تمبكتو مرغوبة من أغنى أفراد المجتمع.
في عام 1591 انتهى العصر الذهبي لتمبكتو وتوالى عليها الغزاة ودمروها بالهدم والحرق، وفي منتصف القرن الـ19 احتل الجهاديون تمبكتو ودمروا المخطوطات غير الدينية ليأتي الاحتلال الفرنسي وينهب مزيد من المخطوطات وإرسالها إلى أوروبا وأصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية بدل العربية ولم تستطع الأجيال الحديثة قراءة تاريخ وعلم أجدادهم، لكن الآباء لم يدعوا تراثهم يضيع بل نقلوه تحت الأرض، حيث بنت العائلات مكتبات سرية تحت الأرض أو طمرت الكتب في حدائقها أو استودعتها كهوف ورمال الصحراء، حرسها المواطنون العاديون لمئات الأعوام وتمسكت العائلات بالكتب القديمة حتى عندما واجهوا فقرا مدقعا وشارفوا على الموت جوعا!
إنشرها