Author

الأب «الرقمي»

|
كالعادة والمتوقع، مر يوم الأب العالمي مرورا خفيفا لا يشبه يوم الأم، وهذا يؤكد أهمية الأم التي أكدها الشرع الحنيف على لسان نبينا عليه الصلاة والسلام، "أمك ثم أمك ثم أمك"، وهو أيضا مفهوم لاقتراب الأم من الأبناء أكثر من الأب، ثم ربما يكون من الطرافة ذكر أن الأب يتحاشى الاحتفاء بيومه خاصة إذا كانت هدايا أبنائه له سيتم دفعها من قبله، فيكفيه خسائر يوم واحد في العام هو يوم الأم.
الأب غائب عن الصورة أكثر من الأم، لانشغاله بتأمين احتياجات الأسرة، ليس فقط المادية التي قد تشارك فيها الأم، لكن كل ما يتعلق بشؤون المنزل التنفيذية، وهو كان غيابا فيزيائيا لبحثه عن الأغراض أو الأشخاص لإصلاح أو عمل شيء، ثم أصبح غياب الدور نفسه لوجود تطبيقات لكل شيء تقريبا من أسطوانة الغاز حتى إعادة ترميم حجرة.
عندما يجوع الابن أو الابنة، يفكرون في تطبيق يوصل الطعام، وهم أيضا يتسوقون جزءا ليس يسير من ملابسهم عبر تطبيقات مختلفة، وهذا الأمر ليس حكرا على أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع، إذ توجد شركات وتطبيقات تقدم الملابس منخفضة الجودة والتكلفة.
إذن، ليس "جلب الطعام إلى المائدة" كمصطلح تعارفت عليه شعوب العالم لدور الأب والأم أحدهما أو كلاهما ـ تبعا لمن يعول الأسرة ـ بل ينضم "الكساء"، والطعام والكساء عنصران أساسيان لمعنى الرعاية من الوالدين للأبناء.
ماذا أيضا؟ تبع هذا "مصدر التعلم" إذ تنحسر تدريجيا تلك الدهشة في أذهان الأطفال والمراهقين من كم المعلومات والإجابات التي يوفرها الوالدين عن أسئلتهم، وأصبحوا يعرفون كيف يحصلون على إجاباتهم، بل إن بعض الآباء والأمهات هم من يندهشون من معلومات وإجابات أبنائهم عن أسئلتهم، خاصة إذا تعلقت ببعض ملامح وأشياء وأسباب التقنية والاتصال.
ليس تشاؤما من انقلاب الأدوار معيشيا وتربويا، ففي النهاية بطاقة الأم أو الأب هي المسجلة في التطبيق أو من تدفع ثمن الإنترنت، لكن كما ينسى الابن الذي يفتح الثلاجة أن أحد ما ملأها له، فهو سينسى أو يتبلد تجاه فكرة مصدر تمويل هذا "الرفاه الرقمي".
هل ستتغير أساليب وظروف التربية، وأسس العلاقة بين الوالدين والأبناء بناء على المتغيرات التقنية والرقمية؟ تبدو الإجابة شائكة، لكن هذه حقائق الحياة العصرية، وهذه مناجم الذهب للثقافة وعلم الاجتماع وعلوم التربية والتعليم للحصول على معارف جديدة من أرض الواقع المعاش "افتراضيا" وليس من افتراضات الماضي غير الواقعية اليوم.
إنشرها