Author

الأزمة السكانية وتآكل الموارد 

|

 
مسألة ارتفاع عدد سكان الكرة الأرضية واكتظاظ الكثافة السكانية، تطرح دائما كقضية مسببة لمشكلات كثيرة، ومعظمها يعود إلى أزمات اقتصادية، وهناك من يبالغ ويربط هذه المسألة بكل المعوقات التي تشهدها الساحة الدولية، وهذا مفهوم، لأن ذلك سيوفر الاتهامات التي توجه عادة إلى الحكومات. بمعنى آخر، يأتي إبراز قضية ارتفاع سكان الكرة الأرضية كتغطية لسوء الإدارة عموما.

ورغم أن هذه الزيادة تضغط على الاقتصادات الوطنية، وبالتالي على الاقتصاد العالمي كله، إلا أن الأمر برمته له جوانب أخرى أشد أهمية من الارتفاع السكاني، ولا سيما الانخفاض المتوقع لعدد سكان هذا الكوكب مع نهاية القرن الحالي. فإذا كانت هناك ضغوط على الموارد العالمية من جراء ارتفاع عدد السكان، فإن المخاطر ستكون حاضرة في حال تراجعت أعداد البشر. وتعد الكثافة السكانية أحد الأسباب الرئيسة لمعظم مشكلات العالم، وهذا إما بسبب نقص الغذاء وإما عدم وجود المياه الصالحة للشرب أو نقص الطاقة، ويتأثر كل بلد في العالم بهذه القضية - أو ستتأثر بها.

بالفعل الانفجار السكاني ينهك الاقتصاد، عبر سرعة استهلاك الموارد المحدودة للكوكب، وهو أيضا يسهم بصورة خطيرة في ارتفاع معدلات التلوث البيئي، فضلا عن المخاطر التي تعود سلبيا على المناخ. وقضية المناخ صارت محورا عالميا رئيسا منذ أكثر من عقدين، ودخلت ضمن نطاق الالتزامات الدولية تحت طائلة الملاحقة المستمرة لأي طرف لا يتعاون في هذه القضية المحورية.

وفي الدول الفقيرة، يسهم الارتفاع في عدد السكان، في زيادة الأزمة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الموجودة فيها أصلا، ولعلنا نلاحظ الأزمات التي تواجهها بعض الدول بسبب الكثافة السكانية مقارنة بمعدلات النمو التي تحققها تلك الدول ولا تكفي لسد حاجاتها لمواجهة المتطلبات المعيشية اليومية لمواطنيها، وهناك برامج حكومية وضعت في بعض الدول النامية من أجل الحد من المواليد. وخلال العام الماضي، ومع انفجار وباء كورونا المستجد، صارت الأعداد الهائلة للسكان عبئا حقيقيا على السلطات المختصة، ولا سيما في مسألة الحد من انتشار هذا الوباء وتوفير اللقاحات ضده، وكثير من الموازنات العامة في عدد كبير من الدول، تئن تحت وطأة الانفجار السكاني فيها.

كل هذا موجود على الساحة حقا، لكن السؤال الذي لا يتردد كثيرا، هو ذاك الذي يتعلق بمسألة تراجع عدد سكان الكرة الأرضية، وهذا التراجع سيكون واقعا حقيقيا قبل نهاية القرن الحالي، فعدد سكان الكوكب يصل حاليا إلى 7.8 مليار نسمة، ويولد 4.4 طفل في الثانية الواحدة، ويصل عدد المواليد كل عشر دقائق إلى 2640 طفلا جديدا. والصين - مثلا - التي كانت سابقا تتبع سياسة الطفل الواحد لكل أسرة، فتحت المجال أمام سكانها لإنجاب طفلين، وأخيرا سمحت بثلاثة أطفال لكل أسرة، أي أن وتيرة التكاثر البشري تمضي قدما.

ولا شك أن تقدم الرعاية الصحية خلال العقود القليلة الماضية، أسهم في ارتفاع عدد السكان، فضلا عن الثقافة الصحية التي وصلت حتى إلى مناطق نائية من هذا العالم. ووفق تقديرات الجهات العالمية المختصة، فإن عدد سكان الأرض سيرتفع إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2064، لكن في العقود الثلاثة الأخيرة من هذا القرن، فإن عدد البشرية سينخفض إلى 8.8 مليار نسمة، ومن المرجح أن يتراجع عدد السكان في بعض الدول إلى النصف بحلول عام 2100، خصوصا في الدول التي يفضل فيها الناس إنجاب طفل واحد، أو حتى عدم الإنجاب.

كما أن الآثار السلبية من جراء تراجع أعداد البشر كثيرة أيضا، فالتراجع يعني ارتفاع الشيخوخة بصورة كبيرة جدا، كما يحدث في اليابان ودول أخرى، ما يؤثر في التركيبة السكانية، وهذا يعني مباشرة انخفاضا للاستهلاك، وسيؤدي ذلك تلقائيا إلى تراجع الإنتاج، ويرفع من البطالة في صفوف الشباب أيضا.

والسؤال الآخر هنا، من سيدفع الضرائب في عالم مليء بالشيخوخة؟ فهذه الضرائب تمول الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية، وغيرها من الخدمات الأساسية لأي مجتمع. إن ارتفاع أو انخفاض عدد سكان الكرة الأرضية، مسألة تحتاج إلى مزيد من الدراسات والرؤى والبحوث والتوقعات العلمية لمعالجتها.

إنشرها