Author

الرد الغربي على المبادرة الصينية

|
تبنت مجموعة السبع في اجتماعها الأخير مبادرة رئيس الولايات المتحدة لدعم مشاريع البنية الأساسية في الدول النامية. وتضم المجموعة أكبر ست دول غربية اقتصادية، إضافة إلى اليابان. وتهدف المبادرة - كما يذكر معدوها - إلى مساعدة الدول منخفضة ومتوسطة الدخل على تنفيذ مشاريع البنية الأساسية. وجاءت المبادرة الغربية ردا على مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تتضمن إنشاء مشاريع البنية الأساسية في عدد كبير من دول العالم، كما تأتي أيضا في إطار المنافسة الاستراتيجية بين دول المجموعة والصين. وتزداد مخاوف الدول الغربية عموما من طموحات الصين بعد تضخم اقتصادها واحتلاله المركز الثاني عالميا، وتوقع تجاوز حجم الاقتصاد الأمريكي خلال عقد أو عقدين من الزمن. إضافة إلى ذلك، يتعاظم قلق الدول الغربية من نمو قدرات الصين الدفاعية الفعلية والكامنة، وتوسع نفوذها العالمي، وقضايا بناء الجزر في بحر الصين.
اقترحت الولايات المتحدة تبني مبادرة جماعية لدول المجموعة أسمتها "إعادة بناء عالم أفضل"، للإسهام في تلبية احتياجات الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من مشاريع البنية الأساسية. ويتطلب تنفيذ هذه المشاريع موارد مالية هائلة تتجاوز تقديرات احتياجاتها حتى 2035 مبلغ 40 تريليون دولار. ويؤكد مقدمو المبادرة عالميتها وشموليتها لدول أمريكا اللاتينية وبحر الكاريبي وإفريقيا ودول المحيطين الهادي والهندي.
تستهدف المبادرة الغربية تحريك مئات المليارات من الدولارات لتمويل مشاريع البنية الأساسية من خلال استخدام المؤسسات والأدوات القائمة حاليا. ويروج مقدمو المبادرة لها من خلال تشديدهم على التزام المبادرة بالمعايير التالية:
1 - تحكم المبادرة المنفعة وتنفذ مشاريعها بشفافية وتتصف بالاستدامة البيئية والمالية والاجتماعية.
2 - الالتزام بالرشادة والمعايير السليمة في التنفيذ، حيث يتعهد مقدمو المشاريع بتزويد مواطني الدول المستفيدة بمعلومات عن منافع المشاريع، وخضوعها للمعايير البيئية والعمالية والاجتماعية ومحاربة الفساد.
3 - ستحرص على توافق المشاريع المنفذة مع اتفاقية باريس للمناخ.
4 - ستنفذ المشاريع وفق رؤية الشراكة الاستراتيجية، حيث تدر منافع أكبر، وسيجري التشاور مع المجتمعات المحلية وتقدر احتياجاتها الفعلية.
5 - تستهدف المبادرة تحريك رؤوس الأموال الخاصة من خلال أدوات التمويل الإنمائي. ولا تفي موارد المبادرة الإنمائية الحالية باحتياجات الدول منخفضة ومتوسطة الدخل الهائلة لتمويل مشاريع البنية الأساسية، ولهذا لا بد من مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنية الأساسية.
بدأت المبادرة الصينية منذ ثمانية أعوام في كازاخستان، وتضمنت حتى الآن 2600 مشروع، ونفذت بشراكة مع ما يزيد على أكثر 100 دولة عبر العالم. وصلت أحدث تقديرات تكاليف مشاريع المبادرة الصينية، إلى نحو 3.7 مليار دولار بتمويل مباشر من الحكومة الصينية، وتركز على مشاريع النقل والطاقة والاتصالات. في المقابل، تمنح المبادرة الغربية الدول الأشد احتياجا لتمويل مشاريع البنية الأساسية خيارات أخرى غير المبادرة الصينية. وتحاول مجموعة السبع من خلال المبادرة الحد من نفوذ وتأثير الصين المتنامي حول العالم.
أبدى عدد من الدول، كالهند وأستراليا، معارضتها للمبادرة الصينية، كما ارتفعت أصوات المعارضة المحلية للمبادرة في بعض الدول المستفيدة التي تتهم فيها الصين بتقاضي معدلات فوائد مرتفعة أو شروط مجحفة في إدارة وتنفيذ بعض المرافق والمشاريع. وأدركت دول مجموعة السبع أن ليس بمقدور دولة وحدها مجابهة المبادرة الصينية، لذلك تسعى المبادرة الغربية إلى توحيد جهودها لمواجهة الصين.
وظهرت المبادرة الغربية بخطوطها العامة ولم يوضع حتى الآن تفاصيل وكيفية عملها، ولم تحدد مخصصات والتزامات الدول تجاهها. وتظهر الخطوط العريضة للمبادرة أنها تسعى لتوفير بديل إيجابي للمبادرة الصينية، خصوصا للدول التي تتصف بالديمقراطية أو المستعدة لتبني إصلاحات أو تعديل تشريعاتها وممارساتها وفق المعايير الغربية. وتقل مخصصات المبادرة الغربية الحكومية كثيرا عن مخصصات المبادرة الصينية، لكنها تحاول الاستفادة من موارد القطاع الخاص الهائلة لديها وتشجيعه وتحفيزه للاستثمار في مشاريع البنية الأساسية في الدول النامية، ما يتطلب توفير حد أدنى من الضمانات والمعايير والدعم الرسمي.
عموما، إن المبادرات الصينية أو الغربية أو أي مبادرات خارجية ليست صدقات ولا هبات مجانية للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث توفر بموجب تسهيلات ائتمانية ووفق شروط قد تكون مجحفة لبعض الدول أو بعض قطاعاتها الاقتصادية. من جهة أخرى، تسعى الأطراف المانحة لهذه المبادرات إلى تشغيل عمالتها وإفادة قطاعاتها الاقتصادية المرتبطة بالبنية الأساسية، وكذلك زيادة ترابط الاقتصادات المقامة فيها المشاريع مع اقتصاداتها بطريقة أو أخرى. إضافة إلى ذلك تسهل مشاريع المبادرات المستهدفة تدفق صادرات الدول المانحة وتشجع على زيادة استهلاك منتجاتها، وفي الوقت نفسه تيسر استيراد المواد الأولية من الدول المستهدفة. ويجري تنفيذ مبادرات كل طرف مانح وفق نظرة استراتيجية عالمية كبرى تتبع سياسات الدول المانحة وتخدم مصالحها، ما قد يتعارض مع مصالح الدول المقام فيها المشاريع. كما ينبغي ألا ننسى إمكانية ابتزاز الدول المقامة بها المشاريع لمنح امتيازات أو تبني سياسات معينة لا تعظم منافعها كشروط للحصول على تمويل المشاريع.
ختاما: يبدو أن العقد المقبل سيشهد توسعا كبيرا في مشاريع البنية الأساسية على مستوى العالم، ما سيولد فرصا اقتصادية في القطاعات ذات العلاقة، كما سيدفع بمعدلات النمو الاقتصادي العالمي إلى مستويات أعلى، ما سيعود بالنفع على الجميع.
إنشرها