Author

التشدد المالي وتغيرات الأسواق 

|

 مع تزايد الحديث عما يمكن تسميته "التشديد النقدي" في الولايات المتحدة، يتعرض الذهب إلى ضغوطات كبيرة، حيث انخفضت العقود الأمريكية الآجلة للذهب الأسبوع الماضي 2.5 في المائة. بعض المراقبين في السوق الأمريكية وصف هذا الانخفاض بـ"السحق"، وأشاروا إلى إمكانية أن يتراجع المعدن الأصفر أكثر من ذلك، إذا ما تأكدت التوقعات بأن واضعي السياسة المالية في الولايات المتحدة سيمضون قدما في سياسة التشديد المالي. فإدارة الرئيس جو بايدن التي طرحت مجموعة من حزم الدعم التاريخية الهائلة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تكون هناك ثغرات تؤدي إلى فلتان على الساحة النقدية، أو إلى عدم السيطرة على الحراك المالي بشكل عام. فالسياسات التي تتسم بالتشدد، تضرب تلقائيا وضع الذهب الذي لا يزال يعد ملاذا آمنا للاستثمار في أوقات الأزمات، أو عدم وضوح الرؤية.

هبوط أونصة الذهب إلى 1822 دولارا الأسبوع الماضي، جاء بعد تزايد الحديث عن إمكانية قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، فالأغلبية العظمى من المراقبين كانت تعتقد أن الوضع الاقتصادي الراهن الناجم عن تفشي وباء كورونا المستجد، سيجعل "الاحتياطي الفيدرالي" أكثر حرصا على إبقاء الفائدة منخفضة قدر الإمكان، وذلك كأداة أخرى لإعادة تحريك الاقتصاد الأمريكي نحو الوضع الذي كان عليه قبل الجائحة العالمية. ورغم أن الذهب شهد قبل أيام تعافيا في آسيا، إلا أنه كان متواضعا جدا، وموجة صعوده بحسب محللي السوق ليست إلا عمليات شراء للمضاربة بسبب الانخفاض، وأموال سريعة لتغطية مراكز مدينة، أي أن حتى هذا الارتفاع المتواضع في أسعار الذهب في القارة الآسيوية، لا يستند إلى أسس قوية.

والحقيقة أن لهجة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدأت تتغير بالكامل في الأسواق، وعندما تتغير هذه اللهجة عادة، يعني أن توجه البنك المركزي سيكون ناحية رفع الفائدة، وهذا ما يخيف أولئك الذي اتخذوا من الذهب ملاذا آمنا في زمن الجائحة. وحتى لمجرد الحديث عن إمكانية التشديد النقدي في الولايات المتحدة قريبا، فإن الدولار حقق مكاسب كبيرة هي الأعلى في غضون شهرين، وبالطبع قفزت عوائد سندات الخزانة الأمريكية. وعلى هذا الأساس فإن تراجع المعدن الأصفر بات مؤكدا فيما لو سارت الإدارة الأمريكية نحو تشديد نقدي في غضون الأشهر القليلة المقبلة، والمؤشرات ترجح حتى الآن تعديلات بأسعار الفائدة في الفترة المقبلة على أبعد تقدير، ولا أحد يعرف تماما متى ستتم هذه التعديلات بالضبط.

وكما هو معروف أنه عندما ترتفع أسعار الفائدة يتجه المستثمرون إلى سندات الخزانة الأمريكية، ما يدفعهم إلى بيع أصولهم من الذهب واللجوء إلى الاستثمار في السندات حيث الأرباح أكبر وأسرع، أما في حالة انخفاض أسعار الفائدة فإن سعر الذهب يرتفع بعد الإقبال على الاستثمار فيه. لكن هناك مؤشرات قوية على أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، سيقوم في الفترة بزيادتين لأسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مع حلول عام 2023، وربما قبل هذا التاريخ.

واللافت أن السياسة الاقتصادية في ظل الإدارة الديمقراطية الحالية باتت تنظر إلى جائحة كورونا بصورة مختلفة، بعد أكثر من عام ونصف العام على تفشيها، فالمشرعون يعتبرون حاليا أن هذه الجائحة لم تعد تشكل قيدا أساسيا على التجارة الأمريكية. وفي كل الأحوال، فإن التشديد النقدي سيكون حاضرا قريبا على الساحة الأمريكية، وستتغير بعض القواعد المعمول بها في الأسواق، خصوصا بعد أن طرحت الإدارة الأمريكية عددا من حزم الدعم.

إن هذه الإدارة تريد أن تنتقل بأسرع ما يمكن إلى ما بعد كورونا ومحاولة تجاوز الخسائر التي تكبدتها القطاعات الاقتصادية والتجارية والحيوية، دون أن ننسى أن تكاليف الحزم المشار إليها تلقي بظلالها أيضا على هذه الإدارة، فالأسواق العالمية ستواصل ترقبها الحذر لتحريك أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والمرحلة المقبلة ستكون مختلفة بعض الشيء عن تلك التي سبقت الجائحة وخلال فترة الوباء أيضا.

إنشرها