Author

استقرار واستثمار .. دلائل عميقة 

|

يعود تأريخ العلاقات السعودية - المصرية إلى زمن طويل مليء بالمواقف السياسية والاقتصادية والاتفاقيات الثنائية بين الرياض والقاهرة، نظرا إلى المكانة والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية.

وقد انطلقت هذه العلاقة المتفردة مع أول لقاء تاريخي جمع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله - بالملك فاروق ملك مصر، عام 1945، في جبل رضوى شمال غرب المملكة، ووضعت خلاله السياسة الثابتة لمستقبل العلاقات الثنائية بين المملكة ومصر.

ولا يخفى على لبيب أن اختيار منطقة جبل رضوى لعقد هذه القمة لتكون العلاقات السعودية المصرية راسخة رسوخ ذلك الجبل الذي تبدأ معه سلسلة جبال السروات، وهنا لعبت الجغرافيا السياسية دورا طبيعيا لترسيخ أهمية هذه العلاقة.

ومن تلك القمة انطلقت سلسلة ممتدة بعلاقات متينة واستراتيجية موطدة عبر التاريخ لقمم جمعت بين القادة من الجانبين، وكان آخر تلك الاجتماعات اللقاء بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مدينة شرم الشيخ المصرية.

وكان من أهم اللقاءات التاريخية، اللقاء الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في القاهرة عام 2016، وجرى خلال تلك الزيارة توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون بين البلدين في عدد من المجالات، شملت اتفاقيات قروض مشاريع تنموية في مجالات الطاقة والتنمية والكهرباء وتجنب الازدواج الضريبي، والصحة، والنقل البحري والموانئ والزراعة والإسكان والتجارة والصناعة ومكافحة الفساد والتعاون التعليمي والثقافي، إضافة إلى تعيين وتحديد وتوثيق الحدود البحرية بين البلدين، كما شملت إنشاء صندوق سعودي - مصري للاستثمار برأسمال 60 مليار ريال، وتأسيس منطقة اقتصادية حرة في شبه جزيرة سيناء، ومن ذلك برنامج الملك سلمان بن عبدالعزيز لتنمية شبه جزيرة سيناء.

إن هذه العلاقات المتميزة والراسخة، انعكست بشكل واضح وإيجابي على حجم التبادل التجاري والأعمال الاقتصادية والتنموية عموما، فقد تم تشكيل لجنة مشتركة بين رجال الأعمال السعوديين والمصريين، أثمرت عن تبادل تجاري تجاوز ثمانية مليارات دولار عام 2019، وتعد المملكة ثاني أكبر سوق خارجية للصادرات المصرية، كما تعد مصر ثامن أكبر مستقبل للصادرات السعودية بإجمالي تبادل تجاري في السلع البترولية وغير البترولية تخطى الـ7.5مليار دولار، كما أن المملكة ثاني أكبر مستثمر في مصر، باستثمارات تخطت ستة مليارات دولار موزعة على أكثر من 500 مشروع استثماري.

ومع ذلك، فإن هذه التبادلات التجارية والاستثمارية تأثرت بسبب الجائحة وما أوجدته من آثار وتداعيات صعبة على سلاسل التوريد عموما، فانخفض حجم التبادل التجاري بنحو 15 المائة بين البلدين بسبب الجائحة، وذلك وفقا لما ذكره وزير التجارة السعودي، خلال أعمال اللجنة السعودية - المصرية المشتركة، في دورتها الـ17، منتصف الأسبوع، في العاصمة المصرية القاهرة، وذلك بحضور مسؤولين حكوميين في مختلف القطاعات في البلدين.

لا شك أن الجائحة أثرت عموما في الاقتصاد العالمي ولم تستثن أي دولة، وأصيب النمو العالمي بشلل لمس القطاعات التجارية الحيوية كافة، والعودة إلى المسارات بسرعة يكمن في قوة العلاقات الاقتصادية والاتفاقيات التجارية، ولأن السعودية ومصر من أهم الدول العربية، واستقرارهما الاقتصادي والسياسي مفتاح للاستقرار في المنطقة العربية كلها، لذا فإن أعمال هذه اللجنة في هذا الوقت بالذات قد أخذت بعدا اقتصاديا مهما، وتناقلتها وسائل الإعلام باهتمام بالغ لهذا التحرك العربي المشترك بين دولتين تمتلكان وضعا وقوة اقتصادية مميزة.

ورغم الأزمة، حافظ البلدان على مستوى رفيع من العمل، ففي عام 2020 تم إصدار رخص استثمارية لرجال الأعمال المصريين في المملكة بإجمالي 160 رخصة استثمارية، كما بلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في المملكة نحو 1.4 مليار دولار بنهاية 2020. ويمكن وصف هذه الأرقام الاقتصادية بأنها مؤشرات إيجابية للغاية إذا علمنا بأن تدفقات الاستثمار العالمي قد انخفضت 42 في المائة 2020، مقارنة بـ2019.

وكما أشرنا، فإن العودة إلى مسارات النمو الاقتصادي للبلدين يمكن أن يتحرك قدما، فيما أعرب عنه وزير التجارة السعودي بمضاعفة الجهود لمواصلة الانفتاح لتهيئة البيئة الاستثمارية التجارية الملائمة للمستثمرين للاستفادة من التعافي والتوسع، الذي تشهده الأسواق العالمية.

إنشرها