Author

ويتجدد الصراع بصبغة تكنولوجية 

|

 كان واضحا حتى قبل أن يصل جو بايدن إلى البيت الأبيض، أن الأخير لن يختلف كثيرا عن سلفه دونالد ترمب في التعامل مع الصين. فالديمقراطيون يتفقون تماما مع الرؤية الجمهورية فيما يرتبط بالخلافات التجارية مع بكين، وهم مستعدون للمضي قدما في التشدد معها، حتى يتم تحقيق الأهداف الأمريكية في هذه المعارك التجارية القائمة. ولأن الأمر كذلك، وجدت الحكومة الصينية، أن تصويت الجمهوريين والديمقراطيين على مشروع قرار بتخصيص استثمارات ضخمة في العلوم والتكنولوجيا، يأتي في إطار "المبالغة" فيما أطلقه الأمريكيون "التهديد الصيني".

وأن هذه الاستثمارات، التي تصل إلى 170 مليار دولار، تستهدف الصين بالدرجة الأولى، ما يعني - بحسب بكين، أن واشنطن ماضية في حربها التجارية في ظل الإدارة الحالية، خاصة أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وصلت في الأعوام الأخيرة إلى الأسوأ منذ عقود، ويبدو أنها تتجه نحو مزيد من التدهور.

ويمثل صعود الصين تحديا أكثر تعقيدا يواجه أي مقبل على عتبة البيت الأبيض، باعتبارها الخصم الأكثر شراسة والند القوي الذي يواجه الولايات المتحدة، ما يتعين على أمريكا أن تجد سبلا للتعايش معها، بدلا من التصعيد المستمر الذي سينعكس على خسارة الطرفين بلا محالة. الصين غاضبة، وأعلنت امتعاضها رسميا، إلا أن مسار الاستثمارات الأمريكية الجديدة في الميدان التكنولوجي سيمضي قدما، مستندا إلى الدعم التوافقي التاريخي في مجلس الشيوخ الأمريكي.

والاستثمارات الأمريكية تستهدف - في الواقع - تشجيع الشركات على الإنتاج في الأراضي الأمريكية، أي أن تبعد عن الصين وغيرها من البلدان التي ذهبت إليها الشركات الأمريكية، لتجنب تكاليف الإنتاج المرتفعة في الولايات المتحدة، وللهروب من الضرائب العالية. والمسألة باتت منذ أكثر من عقدين تمثل أزمة مستمرة للإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما في ذلك إدارة الرئيس السابق ترمب، الذي يعد أكثر قربا من الشركات والمؤسسات مقارنة بباقي الرؤساء.

ومع ذلك، حاول أن يستعيد جانبا من إنتاج الشركات إلى الأراضي الأمريكية. وتستهدف الاستثمارات الجديدة بصورة أساسية، رفع وتيرة إنتاج أشباه الموصلات، التي تتركز صناعاتها حاليا في الصين وعدد من البلدان الآسيوية. ما يعني أن الإدارة الأمريكية ستسحب البساط من تحت الشركات الآسيوية المصنعة في فترة زمنية قصيرة، ولا سيما في ظل سلسلة من التسهيلات أعلنتها إدارة بايدن أصلا مطلع العام الجاري، بما في ذلك عدم رفع الضرائب التي كانت تدفعها في عهد ترمب.

أي أن واشنطن توفر كل الأدوات اللازمة لاحتضان مزيد من النشاط الإنتاجي للشركات الأمريكية، الأمر الذي سيعزز مخططات بايدن في توفير الوظائف للأمريكيين، بعد سلسلة من الارتفاعات في معدلات البطالة في أعقاب تفشي وباء كورونا. دون أن ننسى أن الرئيس الأمريكي تمكن من تمرير خطة دعم تاريخية لاقتصاد بلاده، بلغت 1.9 تريليون دولار. الذي يقلق الصين بصورة أشد، أن الرئيس بايدن يحشد حاليا حلفاءه الغربيين في مواجهة الصين تجاريا، فضلا عن المواجهة معها فيما يرتبط بقضايا أخرى، كحقوق الإنسان والعمال، وأزمات هونج كونج وتايوان، والانتشار العسكري الصيني في مناطق في القارة الآسيوية.

وزخم العلاقات بين واشنطن وحلفائها عاد بمجرد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، بعد أربعة أعوام شهدت توترا متصاعدا في عهد دونالد ترمب. التحالفات المتجددة تضيق الخناق على بكين، بينما تأتي الاستثمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا لتوجه ضربة لم تكن في الحسبان حقا.

وسيحاول الرئيس إعادة صدارة الولايات المتحدة الأمريكية التجارية على الساحة العالمية، خصوصا في قطاع التكنولوجيا، الذي باتت بكين منافسا شرسا فيه، مع مساع تراعي مصالح الآخرين، وبالتحديد الحلفاء الأوروبيين، بمنهجية تعتمد التوازن والاعتدال. والولايات المتحدة رائدة أصلا في مجالات الابتكار والعلوم، وبهذه الاستثمارات قد يتسنى لواشنطن تحقيق قفزات قد تكون غير مسبوقة في السباق التكنولوجي.

ووصف مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي أقر القانون في لحظة تفاهم نادرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مشروع الاستثمارات في العلوم والتكنولوجيا بـ"التاريخي"، والخطة الطموحة. وكان تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، حذر قبل التصويت، من أنه "إذا لم نفعل شيئا فقد تنتهي أيامنا كقوة عظمى مهيمنة".

وضخ الاستثمارات لن يتعلق فقط بإنتاج أشباه الموصلات، بل يشمل مزيدا من الابتكارات والإنتاج المتطور في كل المجالات، مع ضرورة الإشارة إلى أنها استثمارات طويلة الأجل، أي أنها لا تعتمد على مرحلة آنية.

إنشرها