FINANCIAL TIMES

مع تطور الذكاء الاصطناعي يتطور جدل الأرباح والأخلاق

مع تطور الذكاء الاصطناعي يتطور جدل الأرباح والأخلاق

إليكم سؤال حتى أذكى العقول التي تساعدها أقوى الآلات ستجد صعوبة في الإجابة عنه: عند أي نقطة تفوق التكاليف المجتمعية لعدم استغلال التكنولوجيا التحويلية المخاطر الواضحة لاستخدامها؟
ركز كثير من الاهتمام العام بحق على الاستخدامات المقلقة للذكاء الاصطناعي، مثل الروبوتات القاتلة أو تقنية التعرف على الوجه المنتشرة في كل مكان. وقد أدى ذلك إلى مطالب بتشديد التنظيم، مع تطورها الآن في الاتحاد الأوروبي. لكن ما يبقى غير معروف الفوائد التي قد يفقدها المجتمع من خلال عدم الاستخدام الكامل للذكاء الاصطناعي بطرق مسؤولة. نحن نتراجع بشكل مفهوم عن إمكانية حصول شركات التكنولوجيا على امتياز الوصول إلى السجلات الطبية السرية. لكن نادرا ما ندرك مدخلاتها القيمة في المساعدة على إطلاق حملات التطعيم بشكل أسرع للفئات المعرضة للخطر سريريا خلال الجائحة الحالية.
التحدث مع ديميس هاسابيس المؤسس المشارك لشركة ديب مايند، هو تذكير بالإثارة الفكرية المحيطة بالتكنولوجيا. حسبما يرى هاسابيس، الذكاء الاصطناعي هو آلة التعلم ذات الأغراض العامة الأساسية التي يمكن أن تمكن البشرية من مواجهة أعظم التحديات في عصرنا: الرعاية الصحية، وتحول الطاقة، والإنتاجية الاقتصادية. فكر فيه على أنه مساعد البحث الأكثر إفادة الذي لا يكل في العالم.
بينما صعدت "ديب مايند" إلى الساحة العالمية من خلال بناء أنظمة لعب الألعاب مثل "ألفا جو"، ركزت منذ ذلك الحين على تحديات الحياة الواقعية الأكثر قسوة. يمكن لنظامها "ألفا فولد" أن يمكن العلماء من تصميم هياكل البروتين، ما يعد باكتشاف الأدوية بشكل أسرع. ساعدت الشركة على خفض استهلاك الكهرباء في مراكز بيانات "جوجل" الضخمة بأكثر من 30 في المائة -حتى لو ظلت نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق مستهلكة شرهة للطاقة. كذلك ساعدت شركة الأبحاث التي تتخذ من لندن مقرا لها على تطوير أنظمة تحويل النص إلى كلام التي تمنح صوتا لمساعدينا الرقميين المنتشرين بشكل متزايد.
رغم أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن عوائد تقنيات التعلم العميق التي تستخدمها "ديب مايند" تتضاءل الآن، إلا أن هاسابيس يجادل بأننا نعرف فقط قليلا عن إمكانات الذكاء الاصطناعي. ويقول: "ستحقق بعض الاكتشافات المذهلة في الأعوام العشر فأكثر المقبلة وستعمل على تعزيز فهمنا للعالم الطبيعي". في رأيه، سيكون من الإهمال إذا لم نسلح جميع الأطباء في المستقبل بأحدث المعارف الطبية التي لا يمكن إلا للذكاء الاصطناعي تقديمها على نطاق واسع.
لكن مجال الذكاء الاصطناعي خيم عليه بشكل متزايد الجدل حول التحيز الخوارزمي، وتلاشي الخصوصية، والتركيز المفرط لقوة الشركات، والتهديد طويل المدى للذكاء الخارق الجامح. من جانبه، يؤيد هاسابيس التحركات الرامية إلى وضع قواعد أوضح بشأن استخدام البيانات الحساسة. ويوافق على أن شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن تعمل بجدية أكبر مع المجتمع المدني لفرض مبادئ توجيهية أخلاقية وينتقد التطبيقات السخيفة تماما للتكنولوجيا، بما في ذلك قرارات الإفراج المشروط وإصدار الأحكام، بسبب استحالة تقنين حكم البشر الدقيق. ويقول: إنه يجب إجراء كثير من الأبحاث التعاونية مع شركاء خارجيين بشأن الأهداف والقيم التي يجب تضمينها في أنظمة الذكاء الاصطناعي خلال العقد المقبل.
لكن القلق الأوسع هو ما إذا كانت شركات التكنولوجيا الكبرى نفسها مهيمنة لدرجة أنها تعرض الآن تطوير الذكاء الاصطناعي للمصلحة العامة للخطر، بعد أن جردت كثيرا من الجامعات من كبار الباحثين. يقول أحد كبار التنفيذيين في مجال التكنولوجيا إنه يخشى نسخة مخصخصة من الصين تتعلم فيها شركات التكنولوجيا العريقة عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا.
رغم التقارير التي تفيد بأن "ديب مايند" سعت إلى استقلالية أكبر من شركتها الأم، يصر "هاسابيس" على أن العلاقة تجلب الفوائد. بعد شراء "ديب مايند" في عام 2014، ساعدت "جوجل" في توسيع نطاق أبحاثها بطريقة لم تكن لتتخيلها لولا ذلك. لكن خبراء آخرون في الذكاء الاصطناعي توصلوا إلى استنتاج مختلف: تهجع الأرباح والأخلاق معا بشكل غير مريح.
تركت مجموعة من كبار الباحثين في شركة أوبن إيه آي للتو شركة الأبحاث في سان فرانسيسكو التي طورت النموذج اللغوي من الجيل الثالث GPT-3 لإطلاق شركة أنثروبيك التي تركز على أمان الذكاء الاصطناعي. قال الباحثون إنهم قلقون من تأثير الشركات المتزايد على "أوبن إيه آي" بعد استثمار "مايكروسوفت" بمليار دولار.
استخدامات الذكاء الاصطناعي متنوعة للغاية ومهمة جدا لدرجة يصعب على أي حكومة أو شركة أو مؤسسة بحثية تحديد هذه الاستخدامات. لكن دافع الربح الذي يوجه حاليا كثيرا من الأبحاث في هذا المجال يخاطر بتشويه نتائجها. قد يكون الجدل العام حول مكان التوازن بين الابتكار والتنظيم صاخبا وفوضويا، لكن من الحتمي والجيد أن يزادا علوا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES