Author

هل السعوديون من ذوي المهارات العالية؟

|

إن ميزة الإبداع أصبحت من أهم المزايا التي يبحث عنها الاقتصاديون المعاصرون لتحقيق النهضة والتنمية المستدامة، ولذلك حينما يتحدث الناس عن ثروة الأمم، يذهب تفكيرهم بسرعة إلى البحث عن العقول الإبداعية التي أصبحت هي فرس الرهان لتحقيق التنمية الشاملة، بل أصبح الإبداع والابتكار عند الموهوبين هما الوسيلة والغاية معا لتحقيق الآمال والأحلام التي تتطلع إليها الأمم. ولذلك، فإن الاستثمار في البشر هو أهم وأغلى أنواع الاستثمارات، والموارد البشرية أحد أهم العناصر الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، فدول كثيرة، مثل الصين وسنغافورة وتايوان والهند وماليزيا وكوريا الجنوبية، تعد من الدول الغنية في مواردها البشرية، ويلعب الإنسان فيها دورا رئيسا مهما في جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
ولذلك، زحفت الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي إلى هذه الدول، وأنشأت كثيرا من المصانع الضخمة في الصين وتايوان وكوريا الجنوبية وماليزيا والبرازيل والهند، والسبب أن الأيدي العاملة في هذه الدول على درجة من المهارة ومنخفضة الأجور، وهذا من شأنه أن يخفض التكلفة ويجعل السلع والخدمات في متناول الجميع، وبأسعار منافسة. وهنا تكمن القضية المهمة التي أطرحها في هذا المقال، وهي: هل الموارد البشرية السعودية موارد تتميز بالتنافسية؟ أم أنها ما زالت موارد تفتقر إلى شروط التنافسية في أسواق العمل الخارجية أو حتى في سوق العمل السعودية؟.
بادئ ذي بدء، يجب أن نسلم بأن هناك قصورا في هيكل سوق العمل، المتمثل في قيام الأفراد والشركات بالتسابق إلى استقدام قوافل من العمالة الأجنبية من الخارج، وهذا الاختلال - مع الأسف - جعل السعودية تبدو كما لو أنها دولة تعاني أزمة في مواردها البشرية.
الأكثر من ذلك، أننا إذا ألقينا نظرة عميقة في سوق العمل السعودية، التي تشهد إصلاحات واسعة لبعض الاختلالات الهيكلية، نجد أنها كانت تعاني اختلالات هيكلية في الماضي، فالقطاع الخاص يشكو من العمالة السعودية ويتهمها بانخفاض المهارة وانخفاض الإنتاجية وتحلل في السلوكيات الداعمة للعمل الجيد.
وفي ضوء ذلك، نستطيع القول، إن هذا هو الشكل الخارجي لقضية الموارد البشرية التي اكتسبت مثلبا ليس أصلا من خصائصها ولا من سماتها.
أتصور أن للإنسان السعودي مهارات وخصائص يتفوق بها على غيره من الجنسيات الأخرى، ولذلك نستطيع القول، إنه ليس صحيحا أن الإنسان السعودي قليل المهارات، منخفض الإنتاجية وضعيف في سلوكيات العمل، وإذا كانت شريحة من المجتمع السعودي على هذا المنوال، فأرجح أن السبب كان في غياب استراتيجية التدريب، وثقافة العمل، وارتفاع مستوى الرفاهية التي رسخت بعض العادات التي استهجنت السلوك القويم والنزاهة وتقدير المسؤولية.
وإذا أردنا أن نحلل سوق العمل السعودية في الوقت الحالي، نجد أن القيادات في الشركات والمؤسسات المسؤولة عن وضع الأهداف والسياسات العليا هي من الكفاءات السعودية النادرة في أسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط، والأمثلة كثيرة ومتعددة في الإدارة العليا والإدارة الوسطى، سواء في الشركات التي حققت نجاحات كبيرة أو في البنوك والمصانع والمستشفيات التي باتت تدار من قبل السعوديين، مثل شركات سابك وأرامكو وجميع البنوك والمصارف، أو حتى بالنسبة إلى المؤسسات التعليمية والمؤسسات الإعلامية، وبالذات في المؤسسات الصحافية التي يسجل فيها السعوديون نجاحات مميزة ونادرة، ناهيك عن القيادات في المؤسسات الحكومية في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات العامة. ولذلك، إذا نظرنا بصورة أعمق إلى معضلة الموارد البشرية في سوق العمل السعودية، نجد أنه بالإمكان أن تكون الكوادر السعودية ثروة بشرية جاذبة للاستثمار.
بمعنى، أن العيب ليس في الإنسان السعودي، بل كان في المناخ العام لبيئة العمل الذي شهد تغييرات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. فعلى سبيل المثال، أوجدت شركة أرامكو بيئة عملية منذ تأسيسها، أدت إلى تميز الموظف السعودي وحققت الدافعية وجعلته متطلعا إلى الأسمى والأعلى.
إن عنصر المنافسة بين الدول لم يعد فقط على السلع والخدمات، بل باتت الدول تتسابق إلى جذب الكفاءة البشرية من كل مكان في العالم، وأصبحت الكفاءات البشرية هي المطمح للراغبين في تنمية الثروة والدولة، ولذلك تشهد الأسواق العالمية تسابقا منقطع النظير على الكفاءات البشرية. حتى يتحول الإنسان من إنسان منخفض الإنتاجية إلى إنسان عالي الإنتاجية، فإنه في حاجة إلى وضع نظام عام يراعي المصالح العليا للفرد والمجتمع، وعندئذ فقط يتحول البشر من أعداد غفيرة دون قيمة إلى قيمة كبيرة بأعداد غفيرة، ولذلك يمكن القول، إن الموارد البشرية السعودية تقترب من أن تكون موردا مهما لبرامج التنمية الشاملة إذا ما نجحت المؤسسات الحكومية في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الهيكلية ووضعت خطة استراتيجية ذكية لتنمية الموارد البشرية المتاحة.

إنشرها