Author

المراجعة الداخلية وعلاقتها المهنية بالتخصصات

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

مهنة المراجعة الداخلية ليست هي نفسها مهنة المراجعة الخارجية، ولو كانت الأدوات متشابهة في بعض النواحي. وليست كلمة مراجعة دليلا، ولا حتى مؤشرا، بأنهما سواء، فكلمة المراجعة تأتي من خلفيات تاريخية للكلمة، ليس هذا مجال استحضارها، لكن المقصود هنا أن المهنتين ليس لهما علاقة ببعضهما بشكل مباشر. ماذا يعني هذا؟ يعني أنه ليس من ضرورة ولا هناك سبب لأن يكون من ضمن شروط الالتحاق بهذه المهنة شرط الحصول على درجة البكالوريوس في المحاسبة، ولا أن يكون لديه خبرة في تخصص المحاسبة بأي شكل أو طريقة.
إن اختبار الشهادة المهنية للمراجعة الداخلية CIA، التي يصدرها المعهد الدولي للمراجعين الداخليين IIA، تشترط حصول المتقدم على درجة الماجستير أو ما يعادلها إذا كان لديه خبرة 12 شهرا في المراجعة الداخلية، أو درجة البكالوريوس أو ما يعادلها إذا كان لديه خبرة 24 شهرا، وقد جاء النص بالعموم هكذا، أي إنه يجوز التقدم بطلب الحصول على هذه الشهادة المهنية لمن لديه درجة الماجستير أو البكالوريوس في أي تخصص كان، بشرط أن يكون لديه خبرة في المراجعة الداخلية، وهذا يفتح المجال على مصراعيه في جميع التخصصات، ومن ذلك تخصصات إدارة الأعمال والرياضيات والعلوم والآداب والتربية، وغيرها كثير جدا، طالما هي درجة البكالوريوس، وهو ما قد يكون سببا في فتح فرص عمل لا حصر لها فيما لو تم تعزيز وظائف المراجعة الداخلية في المؤسسات والشركات، مع إعادة تأهيل هؤلاء المؤهلين للعمل في هذا التخصص وتشجيع حصولهم على هذه الشهادة المهنية وغيرها من الشهادات ذات العلاقة، مثل شهادة GRC التي تمثل المنهج الحديث الذي ضم الحوكمة والمخاطر والالتزام.
وعليه، فلا شرط ولا سبب ولا علاقة لتخصص المحاسبة بهذه المهنة حتى يتم إغلاقها، بل اختطافها بهذا الشكل الذي نشأ لدينا، والسبب هو الصورة الذهنية الخاطئة التي تسبب فيها تدخل هيئة المحاسبين في هذه المهنة، وتدخل مكاتب المحاسبة فيها بشكل فج.
أنا ابن المحاسبة، تخرجت في أقسامها، واستكملت دراساتي فيها، وكذلك أبحاثي، وبذلت جهدي لأخدمها طوال مسيرتي، لكن هذا لا يمنع من قول الحق في مكانه إذا لزم، فالمحاسبة لها مجالها المحترم، والعجز فيها لا يزال كبيرا جدا، ومع آخر الإحصائيات فإن هناك أكثر من 120 ألف أجنبي في هذا التخصص، وهناك أيضا مهنة واسعة المجال للمحاسبين، من ذلك المحاسبة الإدارية، و المراجعة الخارجية، والمحاسبة القضائية، وغيرها، فلا تضييق في فرص العمل فيما لو ذكرنا أن مهنة المراجعة الداخلية تحتمل المنافسة من غير تخصصات المحاسبة، بل يجب علينا أن ننشر هذا أمام كثير من خريجي التخصصات الأخرى، وأن لديهم فرصا واسعة في مهنة عريضة، والأمر يحتاج إلى تأهيل بسيط لفترة محدودة.
وإذا كان فتح الفرصة أمام التخصصات الأخرى للممارسة أعمال المراجعة الداخلية لن يضر بتخصص المحاسبة في شيء، فإن حصر هذه المهنة العريضة على تخصص المحاسبة، فيه ضرر كبير جدا، ضرر على موضوعية المراجع الداخلي، ونطاق عمله بشكل خطير جدا. فالمراجع الداخلي أصبح يعمل ضمن الخط الثالث من خطوط الحوكمة، وهذا يتطلب منه أن يقدم خطة عمل إلى لجنة المراجعة، تتضمن ما سيقوم به من أعمال مراجعة تتعلق باستراتيجيات الأعمال، أو تقييم كفاءة كل عملية من عمليات المنشأة، أو فيما يتعلق بالتقارير والالتزام أو الامتثال للأنظمة والتعليمات واللوائح وشروط التعاقد.
وهذا يعني أن أعمال المراجعة الداخلية تتخطى خبرة المحاسب مهما كانت، التي لن تكون محصورة إلا في التقارير المالية فقط، فهو لن يكون مدركا أبدا لكفاءة عمليات الأمن السيبراني، ولا عمل الموارد البشرية، ولا فيما يتعلق بالتخصص الذي تعمل فيه المنشأة، سواء كانت عملية أكاديمية، كالجامعات ومراكز البحث العملي، أو صناعية أو زراعية وسياحية أو ترفيهية بتنوعها العريض، ولن يتمكن من تحديد مدى الالتزام التعاقدي إذا لم يكن ملما بالتخصص الذي تعمل فيه المنشأة. فإذا كانت مؤسسة تعليمية، فإن أفضل مراجع داخلي لها هو من تخصصاتها نفسها، وإذا كانت مؤسسة إعلامية، فإنه قد يكون إعلاميا حاصلا على درجة علمية في التخصص وله خبرة ميدانية، وهذا أدعى لفهم مشكلات المنشأة الاستراتيجية وكفاءة العمليات والالتزام. فإذا كانت مهنة المراجعة الداخلية محصورة على المحاسبين، فإن جزءا كبيرا جدا من أعمالها سينفذه آخرون، ما يفقد المراجع الداخلي قيمته في المنظمة.
الأمر الآخر وهو أكثر أهمية، هو ذلك الشعور بعدم اختصاص المراجع الداخلي في الرقابة على أعمال الإدارات الأخرى بخلاف الإدارة المالية، فوجود محاسب سابق على رأس العمل في إدارة المراجعة الداخلية وتأثير اختصاصه، تجعل من الصعوبة عليه توسع نطاق العمل ليشمل إدارات أخرى، ويواجه مقاومة شديدة، بل رفضا في بعض الأحيان على أساس ذلك الشعور الزائف، لكن إذا كان المراجع الداخلي من التخصصات الأساسية التي تعمل فيها المنشأة، فإن قبول مناقشة القضايا ذات العلاقة بكفاءة العمليات والالتزام، يعد مقبولا بشكل كبير. وإذا كانت المنشأة تعمل في قطاع الترفيه والسياحة مثلا فإن مراجعا داخليا في تخصصات قريبة من ذلك، كتخصص السياحة والآثار وغيرها، يعد تخصصا مناسبا لأداء أعمال المراجعة الداخلية، وهكذا يمكن القياس، بل لعله من المناسب أيضا تدريب التخصصات الأخرى، مثل القانون، ومثل تخصصات التاريخ والجغرافيا، لدخول هذه المهنة كموظفين مساعدين للمراجع الداخلي حتى يكتسبوا الخبرات اللازمة والتدريب الكافي، ومن ثم يصبحون مراجعين داخليين مختصين ويتقدمون للحصول على الشهادة المهنية. وخلاصة القول: إن المراجعة الداخلية مهنة عريضة جدا تشمل التخصصات كافة، لها بعض التدريب الخاص وليست حكرا على المحاسبة.
إنشرها