Author

حوكمة أعمال الوساطة العقارية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

في إعلان للهيئة العامة للعقار، أعلنت بعض التنظيمات الخاصة بالوساطة العقارية، بهدف تنظيم هذا القطاع المهم، الذي يتداول فيه أحد أضخم القطاعات الاقتصادية في المملكة، وما زال يعاني كثيرا العشوائية في ظل ضعف التنظيم، حيث إن المكاتب العقارية اليوم إضافتها محدودة في النشاط العقاري، إلا أنها تأخذ حصة كبيرة من المساحات التجارية وخدمتها في توظيف المواطنين وتشغيلهم محدودة أيضا، فالهدر في هذا القطاع كبير عطفا على حجم إسهامه في الاقتصاد المحلي، ومحدودية توظيف المواطنين فيه وقدرته على تطوير مهاراتهم.
فلو نظرنا إلى معظم مكاتب الوساطة العقارية، لوجدنا أن حجم العمليات فيها ضعيف، ويعتمد كثير منها على عمليات بيع محدودة سنويا على أساس أن هذه العمليات تعتمد على أن عمولاتها كبيرة، وبالتالي يكفي المكتب عمليات محدودة سنويا لتغطية تكاليفه في ظل عدم وجود مجهود كبير يبذله أصحاب تلك المكاتب، ولذلك لا تجد الاهتمام كبيرا بالتوظيف فيها، باعتبار أن تكلفة رواتب الموظفين عالية عطفا على حجم العمليات في كل مكتب، كما أن المناطق الجديدة التي حدثت فيها مضاربات عقارية، نجد أن المكاتب في الأساس متنقلة، فلا توجد عمليا تكلفة، وبالتالي أجد ذلك هدرا كبيرا ومنع كثير من المكاتب بأن تكون فاعلة في عمليات مثل عمليات التأجير مثلا، وذلك لأن كثرتها تجعل الحصة المحتملة لكل مكتب محدودة، فيطلب مبالغ عالية لعملية تعد ميسرة جدا، أو يرفض تقديم الخدمة بمبلغ معقول، باعتبار أن حصته من تلك العمليات ستبقى محدودة.
كما أن عمليات إدارة العقارات أصبحت مبالغا فيها، ما جعل المستثمرين يضعون لهم مكاتب خاصة لتتولى هذه المهمة أو يتولاها المالك بنفسه، خصوصا مع ضعف الخبرة لدى معظم المكاتب بما ينبغي لها أن تقدمه من خدمات مقابل إدارة تلك العقارات. ونعود هنا إلى مسألة أن هذا القطاع لا يبني مهارات للقوى العاملة التي تعمل فيه، رغم أهميته وقدرته على قراءة السوق ونشاطها واتجاهاتها.
ولذلك، من المهم النظر إلى تكلفة الوساطة العقارية بأن تكون منخفضة، ولا تختلف كثيرا عن تكلفة عمليات تداول الأسهم على سبيل المثال، مع العلم أن شركات الوساطة التي يتداول فيها الأفراد الأسهم، تقدم خدمات هائلة تفوق بكثير حجم ما تقدمه مكاتب الوساطة العقارية، ومع ذلك تتقاضى مبالغ يسيرة رغم حجم ما تقدمه من خدمات لعملائها، كذلك من المهم ضبط عمليات الإعلان والتسويق، حيث تجد اليوم إعلانات عقارية أقرب إلى الوهمية، فعند البحث بغرض الشراء لا تجد من يقدم لك المعلومة، وأن ذلك مجرد إعلان غير مفهوم الغرض منه، وهذا يتناول كثيرا من الإعلانات في المكاتب العقارية أو المواقع الإلكترونية.
ولذلك، من المهم أن تكون هذه الإعلانات موثقة ومؤكدة رغبة المالك في البيع، حيث يتم تخصيص نوعين من الإعلانات، الأول إعلانات للمالك الراغب في البيع بشكل جدي، يضع مواصفات العقار بشكل مفصل من خلال منصة لكتابة العدل وإذا ما وجد شخص راغب في الشراء يقدم طلبه من خلال المنصة ويتم البيع. والشكل الآخر من خلال الإعلان في موقع إلكتروني أو وسيط واحد وليس لأكثر من وسيط، وللوسيط الحق في الإعلان لدى زملاء له من الوسطاء الآخرين على أن يكون هناك اتفاق مكتوب وفق نموذج موحد لهذا الغرض، حيث يحل ذلك أي نزاع محتمل بين الوسطاء، ويكون العرض دون سعر معلن إذا كان البائع مترددا ويترك للتفاوض المباشر أو من خلال وكيل بين طرفي العقد بتنسيق من الوسيط العقاري وتسجيل ورقي عند الاتفاق يحدد البائع والمشتري والوسيط قبل البدء بالتفاوض لحفظ حقوق أطراف العقد.
الخلاصة، إن بدء الهيئة العامة للعقار بتنظيم سوق الوساطة العقارية، أمر مهم جدا ويتوقع منه أن يكون بداية لتنظيم هذه السوق التي تمثل حصة كبيرة من حجم الاقتصاد المحلي ويعتمد عليها الاقتصاد في القطاعات الأخرى بما يشمل قطاع الإسكان والقطاع التجاري وقطاع الخدمات، سواء فيما يتعلق بخدمات البيع أو التأجير أو التشغيل، ومن هنا تأتي أهمية تنظيم تكلفة الوساطة العقارية ونوع الخدمات المقدمة، والنظر إلى الوسائل التي تجعل من هذا القطاع قادرا على إنتاج وظائف جيدة للقوى العاملة الوطنية وتنمية مهاراتها.

إنشرها