Author

ماذا يكمن وراء زيادة نسبة الجريمة في السويد؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
استأثر آخر تقرير عن نسبة الجريمة في السويد باهتمام الصحافة والإعلام في كثير من الدول. السويد شأنها شأن أي بلد آخر تقع فيها شتى أنواع الجرائم. إذن لماذا يكون لأي زيادة في نسبة الجريمة في السويد وقع خاص في الإعلام يختلف عن تغطية معدلات الجريمة في أي بلد آخر؟.
في الحقيقة لم أكترث للتقرير الدوري هذا، ولم يدر في خلدي في حينه أنه يستحق التركيز عليه وكتابة مقال لقراء صحيفتنا عنه.
وكذلك لم أتوقع أن يأخذ كل هذا المدى من التغطية في الصحافة العالمية، حيث تطرقت إليه وبإسهاب صحف في شتى أرجاء العالم بينها الصحافة العربية.
والأمر الذي جعلني أخصص مقالا خاصا لشأن الجريمة في السويد كان ورود رسائل إلكترونية ونصية من القراء والمتابعين الكرام الذين طلبوا مني إدلاء الرأي إن كان ما تناقلته وسائل الإعلام صحيحا.
ما ورد في الصحافة وما نقله لي متابعيي وقرائي صحيح ضمن السياق السويدي، لكن ليس بالخطورة التي جرى تقديمه فيها خارج هذا السياق.
ما أعنيه هو أن زمن ترك أبواب المنازل والشقق مفتوحة والتجوال دون خشية في مراكز بعض المدن ليلا ولا سيما في عطلة نهاية الأسبوع قد ولى.
قد يستغرب بعض القراء إن نقلت لهم فحوى تبليغ من الشرطة على لوحة عامة بارزة في موقف للسيارات في منطقة شعبية في العاصمة ستوكهولم تحث فيها الناس على تفريغ سياراتهم من الأمتعة وإلا فإن السراق في انتظارهم للقيام في ذلك.
وقبل أسبوع، نصبت جهاز إنذار السرقة في بيتي حيث صار جزءا من متطلبات التأمين المنزلي.
كل هذا لا يعني أن الحياة في السويد صارت لا تطاق. على العكس، لا تزال السويد بلدا آمنا والحياة فيها هانئة ونسبة الجريمة عموما هي الأقل مقارنة بأغلب دول العالم ومنها الأقطار الأوروبية.
ما الخطب إذن؟
في الفترة الأخيرة، خصوصا في العقدين الأخيرين، شهدت السويد زيادة كبيرة في نسب القتل نتيجة إطلاق النار. في هذا الحقل بالذات كان للسويد قصب السبق في ارتفاع نسب الجريمة بشكل ملحوظ ومخيف مقارنة بالدول الأوروبية وأيضا ضمن السياق السويدي.
جرائم القتل بوسائل أخرى مثل السكاكين والعنف الناتج عنها بقيت ثابتة في العقدين الأخيرين، لا بل بعضها شهد انخفاضا.
قد تبدو نسب جرائم الاغتصاب عالية جدا مقارنة بالدول الأخرى، بيد أن النظرة السويدية إلى عملية الاغتصاب تختلف اختلافا جذريا عن نظرة أي بلد آخر.
بعض ما يعد هنا جريمة اغتصاب يعاقب عليها القانون، ينظر إليه على أنه أمر بريء لا يستوجب المساءلة في الدول الأخرى. ولنا في قضية جوليان أسانج مؤسس ويكيليكس، مثالا لأن تهمة الاغتصاب التي وجهت إليه في السويد ربما لما يكترث لها أغلب دول العالم.
لنعد إلى جريمة القتل بسبب العيارات النارية. ما يتبادر إلى الذهن مباشرة هو أن مقتل 4.6 شخص لكل مليون نسمة نتيجة إطلاق النار في السويد يعد الأعلى في الدول الأوروبية. وهذا يعني أن إطلاق النار سبب في مقتل 48 شخصا في العام الفائت، 2020.
هذه نسبة كبيرة وعدد لا يستهان به أبدا في بلد مثل السويد. وحاليا تعد السويد أسوأ بلد من حيث درجة العنف الناتج عن استخدام البنادق وتأتي في رأس قائمة 22 بلدا أوروبيا بعد كرواتيا.
ومن ثم، ما قضية إطلاق النار وبهذا الشكل الملحوظ في بلد يحظر فيه حمل واقتناء السلاح؟.
ليس دفاعا عن السويد، لكن طريقة عمل الشرطة والأمن هنا تختلف جذريا عن الدول لأخرى. سياسة "القبضة الحديدية" حتى في التعامل مع العنف غير مرغوب فيها في هذا البلد حتى الآن.
والعقوبات عدا تلك المتعلقة بالاغتصاب وحالات الاعتداء على النساء والأطفال تعد هينة مقارنة بالأماكن الأخرى، وهذا قد يكون واحدا من الأسباب التي تشجع على انتشار الجريمة في السويد في العقدين الأخيرين.
وقد عزا التقرير الارتفاع الكبير في نسب القتل نتيجة إطلاق النار إلى تفشي الجريمة المنظمة في المدن الرئيسة خصوصا في الأحياء الشعبية، ولم تنج منه مدينة صغيرة مثل المدينة التي أقطنها.
نظام العقوبات السويدي وطريقة تعامل الشرطة والأمن مع العنف جعلا من السويد منطقة جذب؟ لا بل ملجأ للجريمة المنظمة، خصوصا المتعلقة بغسل الأموال والمخدرات.
وجريمة القتل أو حتى إطلاق النار في هذه الحالة تتبعها جريمة قتل أخرى وإطلاق نار متبادل، وهذا ما أكده مسؤول الشرطة في إلقاء الضوء على الجريمة المنظمة في السويد، حيث قال: ما إن يقتل شخص في حي ما حتى يتم قتل شخص آخر بعد فترة وجيزة وضمن المدى الجغرافي ذاته.
وإلى أن تغير السويد في سياسة ونهج العقوبات والتعامل مع العنف، فإن المحللين هنا يتوقعون مزيدا مثل هذه الحوادث لأن المناخ الحالي موائم لنمو وانتشار الجريمة المنظمة.
إنشرها