Author

تقويض صناعة المنبع .. خطأ استراتيجي «2»

|
مختص في شؤون الطاقة
عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق، أن الطاقة هي قلب التطور النابض وشريان الحياة الرئيس، وأساس النمو والتطور والتمدن، وعليه لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل مصادرها وأمنها ومستقبلها. نوهت أن هناك توجها دوليا قويا نحو الطاقة المتجددة وحماية البيئة، منه المنطقي المحمود لتنويع مصادر الطاقة، ومنه المتطرف غير المحسوب. سلطت الضوء على تصريح وكالة الطاقة الدولية حول تخلي العالم عن أي مشاريع جديدة للتنقيب عن النفط أو الغاز والتوقف عن تصنيع المركبات التي تعمل بمحركات حرارية بعد عام 2035 من أجل تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، الذي يعني بإيجاز تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر.
في اعتقادي أن هذا التوجه وترسيخه لا يتسق أبدا مع روح الأمن الطاقي الذي عرفته الوكالة ذاتها أنه "توافر مصادر الطاقة دون انقطاع وبأسعار يمكن تحملها"، فهل هناك استدامة للطاقة بلا مزيج منها قادر على تجاوز الظروف والأزمات الفنية والأمنية والسياسية والكوارث الطبيعية وغيرها؟ حيث إن جميع مصادر الطاقة ليست في منأى عن هكذا ظروف وأزمات قد تتسبب في انقطاعها بنسب متفاوتة، وأثر متباين، ويجب التركيز في رأيي على حقيقة أن الطاقة البديلة كما يطلق عليها أحيانا ليست بديلة أبدا، بل هي طاقة مكملة لمصادر الطاقة الأخرى لها ما لها وعليها ما عليها، وأن مزيج الطاقة ورفع كفاءة استخراجها واستهلاكها هو الخيار الأنسب في اعتقادي، وهذا نهج المملكة التي قدمت أنموذجا مميزا وفاعلا في ذلك دون تهديد مستقبل الأمن الطاقي، ودون إغفال الجوانب البيئية.
إذا ما سلمنا جدلا بتخلي العالم عن أي مشاريع للتنقيب عن النفط والغاز وفقا لوكالة الطاقة الدولية، فهل العالم قادر على سد الفجوة بين العرض والطلب على الطاقة على المديين المتوسط والبعيد؟ لو علمنا أن تحقيق الحياد الكربوني في قطاع الكهرباء يتطلب زيادة قدرات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أربعة أضعاف بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2020 الذي يعد عاما قياسيا للطاقة المتجددة، حيث تتوقع وكالة الطاقة، أن تشكل الطاقة المتجددة 90 في المائة من مصادر توليد الكهرباء، إضافة إلى الطاقة النووية، ما يعني انحسارا كبيرا في دور الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، وهذا يتطلب وقف مبيعات السيارات الجديدة ذات المحركات الحرارية في عام 2035.
في رأيي أن شركات صناعة السيارات لن تستطيع تحقيق هذا الهدف في مدة أعتقد أنها قصيرة جدا لتحول جذري هكذا، إضافة إلى عدم جاهزية البنى التحتية لكثير من دول العالم التي تعاني في الأصل شح الكهرباء للمنازل والمرافق، فضلا عن السيارات الكهربائية. تناقض "ريستاد إنيرجي" الاستشارية تصريح وكالة الطاقة الدولية، حيث ترى أن هناك حاجة إلى الآلاف من آبار النفط والمئات من الحقول الجديدة لتلبية الطلب العالمي، وأن تراجع الطلب العالمي في منتصف العقد الحالي، وهذا ما يتماهى مع كثير من الدول والجهات والمنظمات، وعلى رأسها منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" التي تقول: إن عدم الاستثمار في مشاريع جديدة سيضر باستقرار أسواق النفط، وسيؤدي إلى تقلبات سعرية.
إن تقويض صناعة المنبع خطأ استراتيجي ويؤثر سلبا في الأمن الطاقي، ما سينعكس على أسعار منتجات الطاقة بمختلف أنواعها وعلى رأسها النفط، لا يمكن النظر إلى العالم بعين واحدة، فليس جميع الدول تستطيع تحمل تكلفة البنية التحتية لإحلال الطاقة المتجددة.
إنشرها