Author

ما خيارات العالم للخروج من أزمته؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

تداعيات جائحة كورونا كوفيد - 19 أحدثت جرحا غائرا في الاقتصاد العالمي، وفقد الملايين وظائفهم، وتحولت البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة إلى مكائن تمويل عن طريق ضخ مزيد من الأموال شبه مجانية، أي: بمعدلات إقراض منخفضة، وتنامت ديون الدول السيادية وديون الشركات بهدف تحفيز النمو لمنع انزلاق العالم إلى كساد أو ركود وانكماش عميقين، ومعظم المحاولات لا تزال تقليدية ومعروفة لدى صناع السياسات الاقتصادية في مثل هذه الظروف.
المثير للقلق أن فيروس كوفيد - 19 لم يكتف بأن يكون فيروسا وفق نمطه الجيني الذي انتشر عام 2020 وإنما سجل تحورا في البرازيل ثم الهند أخيرا، ولا سيما أن منظمة الصحة العالمية رصدت فيروس الهند المتحور لدى 44 دولة، العالم يسعى إلى زيادة معدلات أخذ اللقاح للبشر لنسب قد تصل إلى 70 في المائة، إلا أن تقديرات صندوق النقد أن 50 مليار دولار وتطعيم 60 في المائة من سكان الأرض كافية لانتهاء الوباء عام 2022.
حتى يصل العالم إلى الأعداد المطلوبة سيواجه مشكلتين متعارضتين، وهما عمليات التحفيز عبر خفض أسعار الفائدة، وتنامي معدلات التضخم، وليس أمام صناع السياسات الاقتصادية إلا القبول بالتضخم وارتفاع الأسعار لمنع حصول الأسوأ، وستواصل دول العالم الرئيسة عمليات تحفيزها التقليدي أمام محدودية الخيارات الحقيقية. أما إذا واصل بعض الدول تقييد حركة التجارة، فإن عودة النمو الاقتصادي العالمي ستتأخر، وقد نرى سيناريوهات أكثر تعقيدا، وسيكون العالم أمام معدلات بطالة أعلى وديون أكبر وتراجع في مكاسبه التي حققها خلال عقود فيما يخص الفقر والصحة والتعليم، فدولة مثل الهند، يبلغ سكانها 1.4 مليار نسمة إذا لم يتعاون العالم لمساعدتها ولجأت إلى الإغلاق، فإن العالم سيتجه نحو الكساد، ولا سيما أن الزراعة تشكل 16 في المائة من ناتجها المحلي، والأمر يتكرر بطرق مماثلة مع دول أخرى.
والحقيقة أننا نحتاج إلى تعاون دولي فوق سياسي - إن صح التعبير -، أي: على مجموعة العشرين وباقي دول العالم تحمل مسؤولياتها الصحية والاقتصادية بشكل جماعي وتوافق عالمي بعيدا عن المصالح الخاصة أو الآنية أو حتى الاستراتيجية التي لا طائل منها في الانتفاع بطرق غير مباشرة من جروح العالم، كالتحكم في المواد الأولية أو عرقلة سلسلة الإمداد أو التراخي في تقديم العون أو التحجج بأي أعذار قد تعطل وصول اللقاحات إلى العالم بوتيرة أسرع، ولا سيما أن من أخذ اللقاح لا يزال وسيطا ناقلا للفيروس.
أخيرا: لا خيارات للعالم للخروج من أزمته إلا بالتعاون عبر (مجلس طوارئ صحي اقتصادي فوق سياسي) مؤقت ينظم الجهود الدولية لضمان التعاون في سلسلة الإمداد العالمية، وتوثيق جهود الدول لزيادة التنافس فيما بينها للخروج من الأزمة ومنع تدهور مكاسب العالم الصحية والاقتصادية، وتسريع تلقيح العالم، فمصلحة الجميع في انتهاء الوباء.
إنشرها