Author

تقويض صناعة المنبع .. خطأ استراتيجي «1»

|
في عالم متسارع النمو، ونحو عالم متمدن ومتقدم صناعيا لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل موضوع الطاقة ومصادرها وأمنها، حيث إنها قلب التطور النابض، وشريان الحياة الرئيس. هناك توجه دولي قوي نحو الطاقة المتجددة، منه المنطقي المحمود، لتنويع مصادر الطاقة ما يعزز الأمن الطاقي على المدى البعيد، وهناك المتطرف غير المحسوب. قبل أيام أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن على العالم التخلي عن أي مشاريع جديدة للتنقيب عن النفط أو الغاز والتوقف عن تصنيع المركبات التي تعمل بمحركات حرارية بعد عام 2035 من أجل تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
الحياد الكربوني يعني بإيجاز تخفيض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، فهل من الممكن فعلا تحقيق ذلك؟ تعتمد الإجابة هنا على مدى قدرة العالم من حكومات وأفراد وقطاع خاص بالمسؤولية للتخلص من الانبعاثات الصادرة عن منتجات حرق الوقود الأحفوري، فهل الوصول إلى الصفر من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2035 ممكن ومنطقي؟ لو سلطنا الضوء على شركة جنرال إليكتريك كمثال لقياس إمكانية تحقيق ذلك، وهي شركة عالمية رائدة في مجال الطاقة تتمتع بقوة مالية وإدارية، وتبنت هذا التوجه ووضعت خططا لتحقيق ذلك.
تمكنت "جنرال إليكتريك" من خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في منشآتها بنسبة 21 في المائة بين عامي 2011 و2019، بتركيزها على تقنيات صديقة للبيئة من معدات توليد الطاقة، مثل توربينات الرياح البحرية، إضافة إلى تخفيض الانبعاثات ضمن عمليات محطات توليد الطاقة بالغاز.
السؤال هنا، هل تستطيع الوصول إلى الحياد الكربوني بهذه الوتيرة؟ وهل تستطيع الشركات الأقل متانة مالية والأشح موارد تحقيق ذلك؟ ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن من غير الضروري الاستثمار في أي حقول غاز أو نفط جديدة، إضافة إلى تلك التي تمت الموافقة عليها حتى الآن، فما أثر ذلك في مستقبل الوقود الأحفوري وأسعاره وعلى رأسه النفط؟ عرفت الوكالة الدولية للطاقة أمن الطاقة على أنه توافر مصادر الطاقة دون انقطاع وبأسعار يمكن تحملها.
وهذا يعني أن ديمومة الإمدادات وموثوقيتها هي جوهر الأمن الطاقي العالمي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال المساس به أو تقويضه تحت أي ذريعة، أو تحت مظلة أي قرارات تخدم أجندات معينة وإن كانت مدفوعة بنوايا حسنة تهدف إلى حماية البيئة كما يعتقدون.
جميع مصادر الطاقة ليست في منأى عن الظروف الطبيعية والتقنية والأمنية والسياسية وغيرها، التي قد تتسبب في انقطاعها بنسب متفاوتة، وبأثر متباين. الظروف الطبيعية والفنية التي تؤثر في إمدادات الوقود الأحفوري، تنسحب أيضا على طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية وغيرها، وعليه فإن مزيج الطاقة ورفع كفاءة استخراجها واستهلاكها هو الخيار الأنسب في اعتقادي وهذا نهج المملكة التي قدمت أنموذجا مميزا وفاعلا في ذلك دون تهديد مستقبل الأمن الطاقي، ودون إغفال الجوانب البيئية.
الطاقة البديلة في رأيي ليست بديلة أبدا على المدى المنظور كأقل تقدير، بل هي طاقة مكملة لمصادر الطاقة الأخرى لها ما لها وعليها ما عليها. لكن لو افترضنا أن الوصول إلى الحياد الكربوني قابل للتطبيق، فما يجب على العالم فعله لتحقيق ذلك؟.
إنشرها