Author

تعافي أسعار النفط

|
شهد نيسان (أبريل) 2020 هبوطا حادا في أسعار النفط حتى تدنت أسعار مزيج برنت إلى أقل من 20 دولارا للبرميل، كما سجلت أسعار بعض الخامات الأمريكية أسعارا سلبية لأول مرة في التاريخ. وجاء السقوط الحر للأسعار نتيجة التخمة النفطية العالمية في تلك الفترة، وتدهور الطلب العالمي الحاد والمفاجئ الذي تسبب فيه الإغلاق العظيم أو أزمة كورونا الاقتصادية. نتجت معظم الضغوط على أسعار النفط في 2020 عن التراجع الحاد في الطلب الذي مسح منه خلال الربع الثاني 2020، وبشكل مفاجئ، ما يقارب 17 مليون برميل يوميا. أما على مدار 2020 بأكمله، فقد تراجع الطلب بمتوسط يقارب 9.5 مليون برميل يوميا. بذلت الدول المصدرة للنفط جهودا حثيثة لوقف نزيف الأسعار، وتبنت استقطاعات إنتاج كبيرة وتعهدت بالالتزام بها لفترة من الزمن، حتى يتوقف بناء المخزونات النفطية العالمية وتجبر على التراجع للتأثير في الأسعار وإعادتها إلى مستويات مقبولة نسبيا.
تستجيب إمدادات الأسواق الحرة النفطية بشكل بطيء لتراجع الطلب المفاجئ حيث تنخفض الأسعار بحدة (كما ترتفع بحدة عند الزيادة المفاجئة)، وهذا ما حدث بالنسبة لإنتاج الدول خارج منظمة أوبك وغير المتعاونة معها. وقد تراجع إنتاج سوائل الطاقة للدول خارج المنظمة بنحو 2.5 مليون برميل يوميا في 2020 إلى نحو 62.9 مليون برميل يوميا. جاء معظم التراجع بسبب انخفاض الإنتاج الأمريكي والروسي. أما الدول المصدرة الأعضاء في منظمة أوبك، فقد تحملت معظم خفض الإنتاج العالمي على الرغم من أنها تنتج ثلث الإنتاج العالمي النفطي، وذلك عندما تراجع إجمالي إنتاجها بأكثر من خمسة ملايين برميل يوميا في الربع الثالث 2020، وسجل انخفاضا خلال 2020 بمعدل 3.7 مليون برميل يوميا.
تشير بيانات منتدى الطاقة العالمي حول إنتاج دول العالم النفطي في نيسان (أبريل) 2020 وهو الشهر الذي هوت فيه أسعار النفط، إلى احتلال المملكة المرتبة الأولى عالميا في إنتاج النفط الخام في ذلك الشهر، حيث تجاوز إنتاجها 12 مليون برميل يوميا، ثم جاءت بعدها الولايات المتحدة في المركز الثاني بإنتاج يقل قليلا عن 12 مليون برميل يوميا، بعد ذلك احتلت روسيا الاتحادية المركز الثالث بإنتاج وصل إلى نحو 10.7 مليون برميل يوميا. أما في آذار (مارس) الماضي، فقد بلغت معدلات إنتاج المملكة والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية اليومية نحو 8.1 مليون، 11 مليونا، 9.5 مليون برميل على التوالي. وبذلك انخفض إنتاج هذه الدول بنحو ستة ملايين برميل يوميا في آذار (مارس) 2021 مقارنة بنيسان (أبريل) 2020، وهو ما يمثل معظم تخفيضات الإنتاج العالمية النفطية خلال فترة الـ11 شهرا. من جهة أخرى، لم يتجاوز إجمالي خفض دول العالم الأخرى مجتمعة مليونا ونصف المليون برميل يوميا، حيث زادت بعض الدول إنتاجها النفطي، ومن أبرز تلك الدول كندا والصين اللتان رفعتا إنتاجهما بنحو 700 ألف برميل يوميا خلال الفترة. وعموما تظهر البيانات أن الدول الثلاث المملكة والولايات المتحدة وروسيا تتحكم بشكل عملي في إمدادات النفط العالمية، وتحدد بدرجة كبيرة أسعاره، أما مساهمات باقي دول العالم فتأتي كداعم لسياسات هذه الدول النفطية. إضافة إلى ذلك، تثبت التطورات التاريخية الأخيرة أن المملكة ما زالت أهم لاعب في سوق النفط العالمية.
بدأت أسعار النفط العالمية في التحسن من مستوياتها المتدنية في الأشهر التالية لنيسان (أبريل) 2020، واستقرت أسعار مزيج برنت فوق مستويات 40 دولارا للبرميل عند منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. استمر تحسن الأسعار وارتفاعها التدريجي بعد ذلك حتى تجاوزت مستويات 50 دولارا للبرميل مع بداية العام الحالي. ووالت الأسعار تعافيها واستقرت فوق مستويات 60 دولارا للبرميل منذ الأسبوع الثاني في شباط (فبراير) 2021 حتى الوقت الحالي. وتحاول أسعار النفط الخام أخيرا اختراق حاجز الـ 70 دولارا للبرميل.
يلخص تطور مخزونات النفط العالمية توازن العرض والطلب، وتتوافر بيانات مفصلة ومحدثة عن مخزونات النفط الأمريكية، وهي الأكبر على مستوى العالم وتمثل جزءا كبيرا من مخزونات الدول الصناعية النفطية. بلغت مخزونات النفط الأمريكية نحو 1.9 مليار برميل تقريبا عند بداية الأزمة الاقتصادية في آذار (مارس) 2020. بالطبع تأثرت المخزونات النفطية الأمريكية بالتخمة النفطية العالمي وبدأت ترتفع مع نهاية آذار (مارس) 2020 حتى بلغت نحو 2.1 مليار برميل في بداية تموز (يوليو) الماضي، أي أنها ارتفعت بأكثر من 200 مليون برميل خلال ثلاثة أشهر. بعد ذلك ونتيجة لسياسات خفض إنتاج الدول المصدرة وتحسن الطلب النفطي العالمي شرعت المخزونات النفطية الأمريكية تتراجع شيئا فشيئا حتى عادت أخيرا إلى مستوياتها السابقة قبل الأزمة، أي عند مستويات 1.9 مليار برميل تقريبا، ما يبشر بزوال التخمة النفطية واستمرار تعافي واستقرار أسعار النفط ما لم تحدث تغيرات جوهرية طارئة في إمدادات النفط العالمية أو الطلب عليه.
إنشرها