تقارير و تحليلات

أسهم الأسواق الناشئة عاجزة عن التحليق .. الوباء وأسعار الفائدة يحددان مسارها

أسهم الأسواق الناشئة عاجزة عن التحليق .. الوباء وأسعار الفائدة يحددان مسارها

هناك تفاؤل تجاه مستقبل الأسواق المالية في الاقتصادات الناشئة.

شهدت أسواق الأسهم في الاقتصادات الناشئة انتعاشا ملحوظا خلال الشهر الماضي، لكنها بلا شك لا تزال متأخرة عن المتوسط العالمي للزيادة التي حدثت في سوق الأسهم الدولية عموما.
وعجز عديد من الاقتصادات الناشئة عن التصدي التام لوباء كورونا، والصعوبات التي تواجه عمليات التطعيم فيها، أديا إلى الحد من قدرة أسهم شركاتها على التحليق عاليا على غرار الأسهم المعروضة في بورصات الاقتصادات المتقدمة.
تشير البيانات المتاحة إلى أنه خلال شهر نيسان (أبريل) المنصرم ارتفع مؤشر MSCI للأسواق الناشئة مقيما بالدولار الأمريكي بنسبة 2.5 في المائة، بينما لم تزد نسبة الزيادة في مؤشر MSCI العالمي على 4.7 في المائة، ويعود ذلك في الأساس إلى أن الطلب على الأسهم في بورصات الاقتصادات الناشئة نال دعما قويا نتيجة تخفيف عوائد سندات الخزانة الأمريكية، إضافة إلى تراجع قيمة الدولار في الأسواق الدولية.
لكن تلك العوامل التي كان من الممكن أن تحقق نتائج إيجابية أفضل على القيمة الإجمالية لأسهم الاقتصادات الناشئة، تم إضعافها نتيجة تفشي وباء كورونا في بعض الاقتصادات الوازنة مثل الهند والبرازيل وتايوان.
تدفع تلك الأوضاع الإيجابية في بورصات الاقتصادات الناشئة بكثير من الخبراء إلى الإعراب عن تفاؤلهم تجاه مستقبل الأسواق المالية في تلك الدول، وسط توقعات باستمرار الانتعاش لبعض الوقت، ويشيرون إلى اتجاه صعودي في أرباح عديد من الشركات الرئيسة في الاقتصادات الناشئة التي تطرح أسهمها في البورصات المحلية، إضافة إلى مجموعة أخرى من العوامل التي ستساعد على تحقيق البورصات مزيدا من الأرباح نتيجة أسعار الفائدة المنخفضة والسيولة المرتفعة في الأسواق حاليا بسبب سياسات التحفيز المالي الدولية، والحوافز الضريبية غير المباشرة.
في المقابل ترى مجموعة أخرى من المحللين الماليين أن هذا الانتعاش على الرغم مما يمثله من إضافة اقتصادية لأسواق الأسهم في الاقتصادات الصاعدة، إلا أنه يكشف عن حالة من عدم الاستقرار إذا امتد نطاق التقييم ليشمل الأشهر الماضية وليس الشهر الماضي فقط.
وتقول روث ديفيد المحللة المالية في بورصة لندن لـ"الاقتصادية"، "إنه في شهر آذار (مارس) الماضي انخفض مؤشر MSCI للاقتصادات الناشئة بما يصل إلى 0.9 في المائة، ضمن سلسلة من الخسائر امتدت لأكثر من ستة أشهر، وكان السبب حينها ارتفاع العائدات في الولايات المتحدة وارتفاع الدولار إلى جانب رغبة المستثمرين في الانتقال إلى اقتصادات أكثر أمنا ونموا أو الرغبة في جني الأرباح من مكاسب سابقة، وهذا يضر بأسهم الأسواق الناشئة".
هذا المنطق الاقتصادي تسانده تعليقات الدكتور أرثر سميث أستاذ التحليل الاقتصادي في جامعة بروملي، إذ يقول لـ"الاقتصادية"، "عند تقييم مستقبل أسهم الاقتصادات الناشئة علينا أن نأخذ في الحسبان الأوضاع الراهنة والمستقبلية في الاقتصاد الأمريكي، وموجة التشدد النقدي في كل من البرازيل وروسيا، والقلق الذي ينتاب بعض المستثمرين من أن يكون الارتفاع في أسهم الأسواق الناشئة مؤقتا، إذ يمكن أن نرصد تضاؤلا في حماس المستثمرين تجاه أصول الأسواق الناشئة منذ بداية العام بسبب تنامي إصابات وباء كورونا، بينما ارتفعت عائدات سندات الخزانة".
وجهات النظر تلك تواجه معارضة نسبية من بعض الخبراء الذين يفضلون تفادي الحديث عن الاقتصادات الناشئة ككل، ويفضلون تحليل الموقف بناء على أداء سوق الأسهم في مجموعات من الدول داخل بوتقة الاقتصادات الناشئة.
من هذا المنطلق يعتقد البعض أن انتعاش الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم، سيدفع بمعدلات النمو إلى الأعلى في عدد من الاقتصادات الناشئة المرتبطة بأداء الاقتصاد الأمريكي، وهذا ما يجعل الأسهم المكسيكية والتايوانية والكورية الجنوبية جذابه نظرا لعلاقاتها القوية بالولايات المتحدة، أكثر من أسهم اقتصادات أخرى تقع ضمن مجموعة الاقتصادات الناشئة مثل الاقتصاد التركي على سبيل المثال.
وربما يفسر هذا ارتفاع مؤشر الأسهم المكسيكية بنسبة 12 في المائة منذ بداية العام، كما تفوقت أيضا الأسهم المطروحة في بورصة كوريا الجنوبية وتايوان على غيرها من أسهم الاقتصادات الناشئة، إلا أن هذا الارتباط لم يحل دون إصابة الأسهم التايوانية بانتكاسة بدايات هذا الشهر نتيجة الارتفاع في أعداد الإصابة بوباء كورونا.
ووفقا لهذا فإن البعض يرى أن أسهم الأسواق الناشئة وخلال الربع الأول من هذا العام كانت تتبع بشكل عام الأسواق المتقدمة، وأن عوامل التحسن في الربع الثاني مرجعها زيادة التوقعات الخاصة بمعدل النمو العالمي هذا العام.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية"، شانيل أمجي الخبير الاستثماري في عدد من الصناديق الاستثمارية البريطانية، "أظهر الأداء الإقليمي تمايزا كبيرا في الاقتصادات الناشئة عندما يتعلق الأمر بسوق الأسهم، فقد حققت أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا أكبر المكاسب، تليها آسيا بعوائد تقدر بـ2.2 في المائة ثم أمريكا اللاتينية التي لا تزال تصارع وباء كورونا".
ويضيف، "لا تزال التوقعات تجاه سوق الأسهم في الأسواق الناشئة إيجابية بشكل عام، مع ذلك ستظل أسعار الفائدة عاملا تجب مراقبته من كثب، كما أن ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام بشكل مطرد منذ آب (أغسطس) الماضي من 0.5 في المائة إلى 1.7 في المائة بنهاية آذار (مارس) الماضي سيكون له تأثير في أوضاع البورصات في الاقتصادات الناشئة، فعندما ترتفع العائدات تدريجيا بسبب الانتعاش القوي في النمو الاقتصادي يمكن للأسواق الناشئة أن تتفوق في الأداء ولا سيما الأوراق المالية ذات القيمة التقليدية الحساسة اقتصاديا مثل المواد والطاقة والأمور المالية".
لهذا يعتقد بعض الخبراء في المجال الاستثماري أن مكافحة وباء كورونا ستظل العامل المهيمن على أداء أسواق الأسهم في الاقتصادات الناشئة خلال النصف الثاني من هذا العام، وستحدد إمدادات اللقاحات ومسار تغير الفيروس وظهور متحورات جديدة، ومدى فاعلية اللقاحات في التعامل معها، وتيرة الانتعاش الاقتصادي، وبمقدار استعادة الأسواق الناشئة للثقة الاقتصادية بها وبقدرة دول مثل الهند والبرازيل وتايوان على التصدي للفيروس بفاعلية، فإن توقعات النمو فيها سترتفع، وستزداد معها معدلات الأرباح المحققة من قبل شركات القطاع الخاص، ما سيرفع من قيمة الأسهم المحلية، خاصة في ظل اتجاه عالمي لكبح جماح التضخم والسيطرة عليه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات