Author

نهج جديد للتعامل مع تباطؤ النمو «3 من 3»

|
إن البنوك المركزية رأت أن من الصعب رفع أسعار الفائدة ولا تزال تعتمد على زخم التعافي ـ على خلاف آراء الذين فسروا انخفاض أسعار الفائدة بعد الركود بالإشارة إلى "التأثيرات المعاكسة".
وثالثا، تزامن النمو المخيب للآمال مع استمرار انخفاض التضخم دون المستوى المتوقع مرة تلو الأخرى بما يثير الدهشة. ويعلم أساتذة الاقتصاد طلابهم المبتدئين أن انخفاض الكمية وتراجع الأسعار يشيران إلى انخفاض الطلب. ولو كان السبب الرئيس لهذا الركود على النحو الذي يراه كثيرون، هو أداء الإنتاجية المخيب للآمال، لكان المتوقع أن نرى الأسعار ترتفع لا تنخفض. ومع عدم تطبيق سياسات استثنائية قد يكون الانكماش جاريا.
ورابعا: إن الفترات التي شهدت انكماشا وتباطؤا في النمو شهدت أيضا تضخما في أسعار الأصول. فقد ارتفعت أسواق الأوراق المالية الأمريكية أربعة أضعاف منذ الأزمة، وعادت الأسعار الحقيقية للمنازل إلى مستويات الذروة السابقة تقريبا. وهذا ما نتوقعه في ظل الركود المزمن حيث تتجه المدخرات الوفيرة إلى الأصول القائمة، ما يؤدي مثلا إلى زيادة نسب أسعار الأسهم إلى أرباحها ونسب أسعار العقارات إلى ريعها وتناقص علاوات الاستثمار على الديون طويلة الأجل.
ومبلغ علمي أنه لا توجد أي نظرية أخرى يمكن أن تفسر تباطؤ النمو أمام السياسات التوسعية المفرطة والتسارع الكبير في نمو ائتمان القطاع الخاص. فضعف نمو الإنتاجية يتوقع أن يؤدي إلى زيادة تضخم أسعار الناتج وتراجع تضخم أسعار الأصول. وغالبا ما تؤدي زيادة المخاطر وعدم اليقين إلى انخفاض مضاعفات أسعار الأصول وليس زيادتها. ومن شأن أي انعكاسات مؤقتة للأزمة المالية أن تتسبب في تراجع التوسع الائتماني وانحدار منحنى العائد على عكس ما لاحظناه.
ما الذي ينبغي فعله؟
الديموغرافيا يمكن أن تكون مصيرا محتوما. وهناك عناصر أخرى كثيرة تتحرك مع الديموغرافيا لتهيئة بيئة تتسم بوفرة المدخرات التي تصاحبها مشكلة استيعابها. وهذه هي الصورة العاكسة للمشكلات الاقتصادية الكلية التي تعاملنا معها على مدى عقود.
فعلى البنوك المركزية، التزاما بالمهام المنوطة بها أن ترفع معدلات التضخم لا أن تخفضها. ويمثل ضمان تحقيق الاقتصادات لكامل إمكاناتها تحديا يأتي منطقيا قبل زيادة تلك الإمكانات. فالاستقرار المالي معرض لمخاطر انخفاض الأسعار بقدر تعرضه لمخاطر ارتفاعها نفسه. وتتمثل المشكلة على المدى المتوسط في الاستيعاب الكامل للمدخرات وليس مزاحمة الاستثمار.
وفي الوقت نفسه من غير المرجح أن يكون لدى البنوك المركزية - في ظل أسعار فائدة سالبة بالفعل في اليابان وأوروبا ودون 2 في المائة في الولايات المتحدة - حيز كبير، بالمعايير التاريخية على الأقل، لمواجهة الصدمات المعاكسة. ودرجت دول العالم الصناعي على أن تواجه نوبات الكساد بخفض أسعار الفائدة بمقدار خمس نقاط مئوية. إن بداية التصدي لأي تحديات جديدة هي الاعتراف بها. وهذا يعني قبول واقع الركود المزمن وتركيز حوارات السياسات على التحديات التي يفرضها.
إنشرها