Author

اسكتلندا .. «غصة» وطنية لجونسون

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"لن أمنح اسكتلندا الموافقة على إجراء استفتاء آخر للاستقلال"
بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا
لم تكتمل سعادة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، بفوز حزبه الساحق في إنجلترا ضمن الانتخابات المحلية التي جرت في المملكة المتحدة كلها. هذا الفوز يحلم به أي رئيس وزراء، خصوصا في أوقات الأزمات، كتلك التي تشهدها بلاده مثل بقية دول العالم بفعل جائحة كورونا. أما لماذا لم تكتمل سعادته؟ فلأن الحزب القومي الاسكتلندي حقق انتصارا باهرا في اسكتلندا، حيد إلى حد بعيد قوة حزب المحافظين - حزب جونسون - كثيرا في هذه المقاطعة. وهذا يعني أن الحزب القومي الاسكتلندي صارت لديه مساحة انتخابية قوية لتفعيل حراكه مجددا، نحو إجراء استفتاء شعبي لاستقلال الإقليم عن المملكة المتحدة. صحيح أن هذا الحزب لا يملك القرار النهائي بهذا الصدد، لكن الصحيح أيضا، أنه يتمتع بقاعدة شعبية استقلالية. قاعدة تتمنى أن يأتي اليوم بالخروج من تحت لواء بريطانيا.
الأمر ليس سهلا، خصوصا أن الحكومة المركزية البريطانية أجرت بالفعل في عام 2014 استفتاء في اسكتلندا حول استقلالها، وأتت النتيجة بنسبة بلغت 55 في المائة ضد هذا الاستقلال. لكن الأمور تغيرت، وظهرت حقائق على الأرض، وزادت المشاعر القومية منذ ذلك التاريخ، ولا سيما في أعقاب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست". ففي الاستفتاء الذي جرى في عام 2016 حول "بريكست" صوت الاسكتلنديون بأغلبية ساحقة ضد الخروج، ليطرحوا تساؤلهم الكبير. كيف يمكن للحكومة المركزية في لندن أن تتجاهل نتائج هذا الاستفتاء، وتمضي قدما في إتمام الانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟ فمن حق اسكتلندا أن تبقى في الاتحاد، استنادا إلى المخرجات الديمقراطية، بحسب قولهم. بالطبع الأمور لا تحسب هكذا، لأن استفتاء "بريكست" طرح على الساحة البريطانية كلها، وإقليم اسكتلندا واحد منها.
لكن الأمر لم ينته. ظل القوميون الاسكتلنديون يتحركون في البرلمان الوطني - مجلس العموم البريطاني - من أجل تعطيل انسحاب بريطانيا إلى جانب قوى سياسية أخرى، ترى في الخروج من الاتحاد الأوروبي كارثة حقيقية. إلا أن الانسحاب تم بالفعل، وبقيت حجة اسكتلندية على الحكومة المركزية في البلاد. الآن وبعد الانتخابات المحلية الأخيرة ارتفعت الأصوات عاليا في إدنبره من أجل استفتاء جديد على انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. فالقوميون هناك يعتقدون أن في مقدور بلدهم المضي قدما كدولة مستقلة، ستكون الخطوة الأولى لها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا الأخير لم يمانع بالطبع بهذا العضو الجديد، خصوصا في ظل روابط أوروبية قوية مع اسكتلندا، فضلا عن أن هذه الأخيرة تتمتع بقدرات اقتصادية جيدة.
نيكولا استيرجن، الوزيرة الاسكتلندية الأولى - رئيسة الوزراء - القومية المتشددة جدا، رأت أن تؤجل التحرك للحصول على الموافقة على استفتاء الاستقلال، حتى يتم الانتهاء من جائحة كورونا وتداعياتها المتلاحقة، لكنها شددت على أنها لو فشلت مع حكومة جونسون في هذا المجال، ستنقل القضية إلى المحاكم. وبإمكانها بالفعل أن ترفع هذه المسألة قضائيا، ما سيزيد الضغوط على حكومة المحافظين البريطانيين كثيرا في وقت لاحق. لكن السؤال الأهم هنا: هل إقليم اسكتلندا مؤهل بالفعل للاستقلال؟ بمعنى آخر، هل أدوات الاستقلال متوافرة في هذه المنطقة التي شهدت تاريخيا صراعات دموية بشعة مع إنجلترا؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن المشاعر القومية الاسكتلندية المتعاظمة، تقابلها مشاعر إنجليزية مشابهة، إن لم تكن أشد.
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لاسكتلندا أكثر من 166 مليار جنيه استرليني، والأداء الاقتصادي في الإقليم لا بأس به، ويصل عدد السكان إلى 5.5 مليون نسمة، وكغيرها من الدول الأوروبية الغربية تعاني اسكتلندا ارتفاع أعداد كبار السن، رغم أنها تتمتع بقاعدة تعليمية عريضة واستثمارات متزايدة في هذا المجال. إلا أن المشكلة في أمر الاستقلال أن صادرات هذا الإقليم لباقي أقاليم المملكة المتحدة تتجاوز 60 في المائة، وهذا أمر يطرح تساؤلات كبيرة. لكن ربما هناك من يظهر ليقول، إذا كانت بريطانيا تصدر للاتحاد الأوروبي أكثر من 50 في المائة من إنتاجها وانفصلت عنه، فيمكن لاسكتلندا أن تقوم بذلك، خصوصا أن الاستقلال لا ينبغي أن يصنع العداء مع لندن.
لا شك أنه لو تم الاستقلال الاسكتلندي المنشود، فإن هذا الإقليم البريطاني سيلاقي ترحيبا كبيرا من الاتحاد الأوروبي، ما قد يغطي ثغرات اقتصادية قد تظهر، بما في ذلك رفع مستوى الصادرات الاسكتلندية للكتلة الأوروبية، ولا سيما أن هذه العضوية ستكون مضمونة، لأن لا "فيتو" لبريطانيا في الاتحاد بعد "بريكست". وهذا الأمر لا ينطبق مثلا على إقليم كاتالونيا، الذي يسعى للانفصال عن إسبانيا بأي ثمن، لكن إذا تم الانفصال فعلا، فلا يمكن أن ينضم للاتحاد الأوروبي بأي شكل من الأشكال. فانضمام عضو جديد لهذه الكتلة يتطلب إجماع أعضائها. سيتصاعد الحراك الاستقلالي الاسكتلندي في وقت قريب، وبوريس جونسون الذي يمكنه أن يعطل الموافقة على الاستفتاء في مجلس العموم، لا يستطيع أن يوقفه في المحاكم البريطانية.
إنشرها