Author

نهج جديد للتعامل مع تباطؤ النمو «1من 3»

|
لقبول واقع الركود المزمن، فهناك حاجة إلى نهج جديد للتعامل مع تباطؤ النمو وانخفاض أسعار الفائدة وغياب التضخم، فإن أحد الفروق الأساسية بين نظريات العلوم الطبيعية ونظريات العلوم الاجتماعية يتمثل في أن نظريات العلوم الطبيعية، إن ثبتت صحتها، تظل صالحة لكل زمان ومكان. وعلى النقيض، تعتمد صحة النظريات الاقتصادية على السياق. فقد كانت نظرية مالتوس عن توافر الغذاء صالحة للألفيات التي سبقت صوغه للنظرية، لكنها لم تكن صالحة لحقبة ما بعد الثورة الصناعية. وكانت أفكار كينز صالحة خلال فترة الكساد الكبير أكثر مما كانت عليه خلال الفترة التضخمية التي شهدتها سبعينيات القرن الماضي.
وتتزايد قناعتي بأن النظريات الاقتصادية الكلية الحالية التي تقوم على فرضية أن السياسة النقدية يمكن أن تحدد معدل التضخم، قد لا تكون مناسبة للواقع الاقتصادي الحالي، وبالتالي تقدم وصفات تضليلية على مستوى السياسات. فقد فشلت في توقع التباطؤ الانكماشي في اليابان الذي بدأ عام 1990، أو الأزمة المالية العالمية وتباطؤ التعافي وانخفاض التضخم دون المستوى المستهدف طوال عقد من التعافي، أو استمرارية المستويات العالية من الدين الحكومي بأسعار فائدة حقيقية منخفضة جدا.
وفهم هذه التطورات وصوغ سياسات تستجيب لها بفاعلية سيتطلبان على الأرجح أن يصمم الاقتصاديون الاقتصاد الكينزي القديم في ثوبه "ما يمكن أن يطلق عليه استنادا إلى فكرة ألفين هانسن عن الركود المزمن" الجديد في حقبة ما بعد الكساد الكبير. ويلخص هذا المقال الأساس الذي يدعو إلى تبني نهج جديدة إزاء الاقتصادات الكلية عن طريق تسليط الضوء على التغيرات الهيكلية الكبيرة في اقتصاد العالم الصناعي، ويوضح منظور الركود المزمن، ويستخلص بعض الانعكاسات بالنسبة للسياسات.
وحول شح الاستثمارات فإنه ما لم يحدث تغير في الاتجاهات السائدة الحالية، سيشهد عدد السكان الذين هم في سن العمل انخفاضا في دول العالم الصناعي خلال الجيل التالي، كما سينخفض عدد السكان الذين هم في سن العمل في الصين أيضا. وفي الوقت نفسه، أفضت الاتجاهات السائدة نحو زيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة، على سبيل المثال، إلى زيادة عدد النساء العاملات في الولايات المتحدة في الوقت الحالي مقارنة بالرجال. وتؤدي هذه التطورات الديموغرافية إلى زوال الطلب على السلع الرأسمالية الجديدة لتسليح قوة العمل المتنامية واستيعابها.
ومما يعزز هذا الاتجاه ملاحظة حدوث انخفاض حاد في المبلغ المدخر المطلوب لشراء كمية معينة من السلع الرأسمالية، نتيجة الانخفاض الحاد في الأسعار النسبية للمعدات، ولا سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات. فاليوم، أصبح لدى هاتف "آيفون" الذي يبلغ ثمنه 500 دولار قدرة حاسوبية أكبر مما كانت لدى الحاسوب الفائق الذي أنتجته شركة كراي منذ جيل مضى.
وإضافة إلى انخفاض أسعار السلع الرأسمالية، يشجع الاتجاه الهبوطي في أسعارها إلى تأجيل الاستثمار. إضافة إلى ذلك ارتبطت الثورة التكنولوجية بتجزؤ أوسع للاقتصاد. فقد أدت التجارة الإلكترونية إلى انخفاض الطلب على متاجر التسوق، وأدت الحوسبة السحابية إلى انخفاض الطلب على الحيز المكتبي عن طريق إزالة الحاجة إلى خزائن حفظ الملفات، ما سمح بإضفاء طابع شخصي على المكاتب بضغطة زر، وينطبق ذلك حتى على الصور العائلية المعلقة على الجدران... يتبع.
إنشرها