Author

أهداف متضاربة ومصالح متشابكة 

|

التوتر في العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي يتزايد، حتى إنه وصل إلى نشر قطع بحرية عسكرية بريطانية في مواجهة قطع فرنسية مماثلة قبالة مقاطعة جيرسي البريطانية، بسبب الخلاف حول تنفيذ الشق الخاص بالصيد في البحر المشترك بين البلدين الأوروبيين. وهذه الخلافات متوقعة، لأن هناك كثيرا من الثغرات في الاتفاق التجاري الذي أبرمته لندن مع بروكسل في أعقاب الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي "بريكست".

واتفاق الخروج نفسه، يتضمن عشرات البنود الخاصة بتشكيل لجان لفض النزاعات المؤكدة لاحقا بين الطرفين، ولذلك ظهرت على الأفق آثار في جوانب كثيرة، منها السياسية والاقتصادية والتجارية، والخسائر ستكون باهظة على الطرفين، وقد تطفو على السطح قضايا اجتماعية عميقة في ظل عيش الملايين من الدول الأوروبية في بريطانيا، خاصة فيما يتعلق بالإقامة والعمل والحقوق والمساواة، إضافة إلى نقاط وتداعيات أخرى مهمة تدخل فيها الحدود الجغرافية.

ويتوقع خبراء اقتصاديون، أن تتسبب تعقيدات ملف اتفاق "بريكست" في مزيد من التأرجح في الاقتصاد البريطاني الذي تعصف به أصلا الأزمة التاريخية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، ويبدو أن التحسن المأمول سيتطلب وقتا. فالاتفاق نفسه لم يكن متماسكا، وهناك مناطق مبهمة فيه، خصوصا على صعيد العلاقة المستقبلية بين إقليم إيرلندا الشمالية التابع للمملكة المتحدة، وبين الاتحاد الأوروبي. وهذه النقطة تحديدا، شكلت منذ اليوم الأول لقرار لندن ترك الكتلة الأوروبية، معضلة حقيقية، نتيجة تداخل وتشابك المصالح فيها.

التهديدات السياسية المتبادلة لم تتوقف بين لندن وبروكسل، خصوصا بعد أن خرقت بريطانيا من جانب واحد بندا محوريا رئيسا يتعلق بإيرلندا الشمالية، فبروتوكول الانفصال يتضمن وضع حدود بين بريطانيا وهذا الإقليم، اعتبارا من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إلا أن لندن لم تلتزم به، وأبقت الحدود مفتوحة مع إقليمها الشمالي متحدية الجانب الأوروبي.

والحدود المنصوص عليها في الاتفاق التاريخي بين الطرفين، وضعت أساسا لحماية اتفاق السلام التاريخي في إيرلندا، الذي ينص على أن تكون الحدود مفتوحة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا في الجنوب، العضو الكامل العضوية في الاتحاد الأوروبي. فبقاء الأمر بلا حدود، يعني أن حدود المملكة المتحدة لا تزال مفتوحة على الكتلة الأوروبية، ما يضرب أساسا "بريكست"، فالقصد من الانفصال البريطاني هو إغلاق الحدود مع الاتحاد لا فتحها.

بالطبع، يتحرك الأوروبيون من أجل مواجهة الخروقات البريطانية، وهددوا منذ العام الماضي بأنهم سيلجأون إلى القضاء، الذي بلا شك سيقف مع بروكسل، مستندا إلى بنود اتفاق الانفصال. علما بأن اتفاق الخروج لا يتضمن وجود حدود قوية بين إيرلندا وبريطانيا، بل ينص على وجود رقابة مرنة على حركة التجارة بين الطرفين، كي يحمي الاتحاد حدودها التجارية. هي حدود تقوم وفق ترتيب خاص على الصعيد الجمركي، وهذا سيبقي إيرلندا الشمالية ضمن دائرة الاتحاد الأوروبي الجمركية.

وقد وافق البريطانيون على ذلك، إلا أنهم وجدوا صعوبة في تنفيذه، الأمر الذي أوجد مشكلة عميقة، ليس فقط في هذا الجانب، بل في الجوانب الأخرى التي تتضمنها اتفاقية التجارة بين بروكسل ولندن. التوتر يسود الساحة الأوروبية بالفعل من جراء تنفيذ اتفاق الانفصال البريطاني على أكثر من صعيد، ولا سيما الجانب المتعلق بحقوق الأوروبيين الذين يعيشون في بريطانيا.

فهذا الجانب ليس واضحا حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البريطانيين الذين يعيشون في دول الاتحاد. وكلما ظهرت مشكلة، صار التوتر في العلاقات بين الشركاء السابقين أكثر حدة، فالساحة باتت جاهزة للمواجهات القضائية، خصوصا مع التداعيات التي تظهر يوما بعد يوم من خلال تنفيذ اتفاق الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

ولأن الثغرات كثيرة ومعقدة في الوقت نفسه، والطرفان يعرفان أنها موجودة أصلا حتى قبل التوقيع على البروتوكول، فإن سدها قد يستغرق أعواما وليس أشهرا، خصوصا في ظل وجود حكومة المحافظين حاليا في الحكم في بريطانيا، وهي حكومة وصلت إلى السلطة أساسا بحكم تشددها في إتمام الانفصال عن الاتحاد بأي ثمن. كانت إيرلندا مشكلة منذ استفتاء "بريكست" وستبقى فترات طويلة، فهذه القضية سبق أن انتهت تماما باتفاق السلام الإيرلندي المحمي بطريقة غير مباشرة بعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

إنشرها