في ظل الموجة المدمرة من كوفيد - 19 المتحور في الهند، تتراكم المخاوف الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن هذه الموجة، مع إمكانية حدوث موجة أخرى مشابهة وربما أشد وقعا. وهذا النوع المتحور صار منتشرا في نحو 44 بلدا، وأكثر دولة مصابة به بعد الهند هي بريطانيا، وهذه الأخيرة لا تزال تحتفل بإعادة فتح مرافقها شيئا فشيئا، بعد أشهر عديدة من إغلاقها.
الإصابات الهائلة في الهند، وعدد المتوفين من جراء كورونا حاليا، طرح أزمة من ضمن الأزمات الأخرى المتعددة، تتعلق بأداء صناعة الشحن العالمية، فهذا القطاع هو ركن أساس في الحراك الاقتصادي العالمي، وبعد أكثر من عام على الاضطراب الذي نال منه بفعل الجائحة، تبين أنه يحتاج إلى مزيد من التفعيل على مختلف الساحات، مع ضرورة الإشارة إلى أن الطلب يرتفع وسيرتفع في هذا القطاع مع عودة الحراك الاقتصادي العالمي العام.
ما تسببت فيه الموجة الهائلة من كوفيد - 19 على صناعة الشحن، شيء كبير للغاية، لماذا؟ لأن الهند تتصدر الجهات التي توفر الطواقم والبحارة على ظهر سفن الشحن، فضلا عن أنها ترفد هذا القطاع بمتخصصين في المجالات الميكانيكية والصيانة التي تحتاج إليها السفن بصورة طبيعية.
والمشكلة تكمن في أن الجهات المختصة حول العالم تمنع السفن والناقلات، التي تظهر في أوساط طواقمها إصابات بكوفيد، من دخول الموانىء. والحق أن هذه الإجراءات التي تتخذ، أثرت بصورة خطيرة في سير قطاع الشحن عموما، بما في ذلك تأخر تفريغ الشحنات، وفي بعض الأحيان تتعرض بعض البضائع للتلف بسبب هذا التأخير.
أي أن وجود إصابات بكورونا على ظهر إحدى السفن، لا يقتصر فقط على منعها من دخول الموانىء، بل التأخر في إتمام تحميلها أو إفراغها. وتؤكد الجهات المختصة بالنقل البحري، أن موانىء عديدة منعت السفن من تغيير أفراد الطاقم الذين سافروا أخيرا من الهند، وهناك موانىء تحظر السفن، التي تحمل بحارة زاروا الهند أو بنجلادش في الفترة القصيرة الماضية.
وعلى الرغم من فحص هؤلاء البحارة، وفرض الحجر عليهم في هذا البلد أو ذاك، إلا أن بعض السلطات حول العالم تفضل تجنب ما استطاعت، استقبال السفن التي تحمل الطواقم الهندية أو التي مرت بالهند وبنجلادش. والمشكلة التي تتفاقم، تكمن في أن أعداد البحارة المصابين بكوفيد يرتفع بالفعل، ففي حين كان عدد المصابين لا يتجاوز الشخص أو الاثنين أو حتى الثلاثة على متن السفينة، تؤكد السلطات البحرية في سنغافورة، أن هناك سفنا تعرض بحارتها كلهم للإصابة.
ولكن السؤال الذي يجب طرحه هنا، لماذا الخوف على قطاع الشحن البحري حاليا؟ لأن الهند توفر أكثر من 240 ألف بحري على مستوى العالم لكل الشركات البحرية الناقلة، بينما يبلغ عدد البحارة حول العالم 1.6 مليون بحار. والذي يزيد المخاوف أكثر، أن عددا متزايدا من الدول، أضافت باكستان وبنجلادش إلى قوائم منع بحارتها من دخولها، نظرا إلى وصول موجة كوفيد الجديد إلى هذين البلدين بصورة أقل منها في الهند، وهذان البلدان يوفران أيضا عددا كبيرا من البحارة والعاملين في السفن في مواقع مختلفة.
ومن هنا، يمكننا أن نتوقع اضطرابا متزايدا في قطاع الشحن البحري في الأشهر القليلة المقبلة، إذا لم يتم حسم الموجة الهندية من هذا الوباء. والخوف الأكبر أن تتوسع دائرة الدول التي وصلت إليها السلالة الجديدة، ما سيعمق النقص في الطواقم البحرية عالميا ويتسبب في أزمة عالمية لم تحدث من قبل.