Author

أولويات في قائمة الانتظار

|
كل منا يدير الأولويات بشكل أو بآخر، سواء كان السياق الذي نتحدث عنه يمثل الفرد في يومياته وحياته، أو المنظمة في أدائها أو حتى المجتمع في تفاعلاته. أعتقد أن النظر من زاوية المنظمة يعطينا منظورا جيدا للتعرف على تحديات إدارة الأولويات وذلك لأن المنظمة كيان معقد لكنه قابل للحصر والتمحيص، خصوصا عندما تتراكم الأولويات وتصبح في مسار الانتظار. وأقصد بذلك، كثرة الأولويات حتى إن مجموعة الأولويات هذه تصبح غير قابلة للتنفيذ بسبب تراكمها، لكن جميعها في نظرنا أولويات. هذا أمر مزعج ويصنع الارتباك، من المتوقع أن أساليب تحديد الأولويات تخرج لنا بعدد محدود من الأولويات، لكن إذا زادت الأولويات كثرت الجبهات واضطرب الأمر وضاعت السيطرة، وفي هذه الحالات تنتهي إدارة الأولويات إلى صنع دوائر من الجهد لا نرى منها نتائج توازيه.
انظر إلى أي منظمة متحركة ونشطة ولديها كم هائل من التغييرات المستمرة، وكثير من منشآت الأعمال كذلك اليوم، ستجد أن ملفات التغيير والأولويات الجديدة تأتي من كل الجهات، مجلس يبحث عن الحوكمة وجهات إشرافية تريد الالتزام وفريق عمل يبحث عن خط منتجاته أو خدماته الجديد، وربما وجدت مسؤول العمليات يحلم ويدعو إلى انسيابية الإجراء على مستوى المنظمة كلها، بينما مدير التسويق يرى أن المكان ينسى عميله وإعادة الاهتمام مطلوبة به على وجه السرعة، وستجد كثيرا من الأبواب المهمة التي تفتح دون أن يعرف كيف أو متى ستقفل. إذا نظرت إلى قائمة المبادرات والمشاريع في مثل هذه المنظمة ستجد أن الجميع يهتم بكل الأشياء، أعتقد أن التركيز على عدد محدود من الأولويات أمر صعب ولا يتقنه إلا القلة. ولهذا معظم من يسرد الأولويات يسردها بطريقة خائطة أو مبالغ فيها. لو ركزت القدرات والموارد على الأولويات بالطريقة السليمة لتحققت النتائج بالشكل الأفضل.
من أسباب تراكم الأولويات الخروج عن الهدف الأسمى للمنظمة، وهذا بديهي لكنه يحصل. والسبب يرتبط بأسلوب التواصل حول هذا الهدف أو ربما عدم وجوده، سواء كنا نتكلم عن توجه استراتيجي واضح أو تحديد المستهدفات بشكل عملي وواقعي ينظر للصورة العليا والواقع الحقيقي. هناك كذلك من يضطرب في ضبط الخط الزمني بشكل واضح ومنطقي، إما أنه يتطرف في عيش اللحظة أو في رسم البعيد بعيدا جدا عن القريب. ومع هذه الأمور، ستجد المسؤول يفشل في عملية توزيع الأدوار وتنسيق الطبقات التي يجب أن تعمل بالتوازي. فمن غير من المنطقي أن يتم التركيز مثلا على أمور الرقابة وأولويات الأعمال وتنسيق الكفاءة المؤسسية والتحول الرقمي وإدارة المواهب وخطط التوسع في الوقت نفسه، ولا حل لهذه المعضلة إلا بإدخال بعض المهام في نسق مؤتمت يدير نفسه بنفسه، لحين التركيز على ما يستحق التركيز. استعراض الأولويات وملاحقتها في كل ما سبق أشبه بالمستحيل.
من أكبر تحديات إدارة الأولويات الجهل بالقدرات، والقدرات هنا على نوعين، الموجودة والمستهدفة. رسم قائمة الأولويات دون تحديد الإمكانات المتاحة والإمكانات التي يمكن عمليا صنعها وتحضيرها أقرب للعبث. لأن الأولويات في نهاية الأمر ستصبح مجرد مطبات تضيع الوقت والموارد، سيتشكل حينها منحنى التعلم في منطقة يمكن تفاديها بالكلية. وأعنى بذلك أن الدرس قد يصبح في نهاية الأمر - بعد أن يستغرق الجهد عاما أو عامين أو أكثر - درسا في إدارة الأولويات وليس في إنجاز الأولويات.
لماذا إذن تتراكم الأولويات وتصبح المهام المهمة جدا التي نتحدث عنها كثيرة ومتشعبة ومتداخلة، وربما تصنع في وقت سريع تقاطع مزدحم ومتعطل؟ السبب بكل بساطة لأن أحدهم يرسم الأولويات دون بذل الجهد الكافي في دراستها، لا يستخدم الأدوات السليمة ولا ينظر إلى الربط الزمني، ولا قدراته، ولا ما يمكن وضعه بعيدا عن الطريق دون أن يخسره أو يخسر فائدته. وهذا يعني أننا نتحدث عن مسألة تخطيطية، تستحق التمعن والنقاش والمراجعة المستمرة. من أكبر الخسائر التي ينالها أصحاب الجهود الكبيرة وجوده في نقطة تجمد تبنى عليها نقاط تجمد أخرى، فيقعون في ورطة الحل والتفكيك رغم أنهم كانوا يعتقدون أن جهودهم المبذولة في أعلى قائمة الأولويات.
إنشرها