Author

الحلقة الأضعف لسلاسل التوريد

|

لا يبدو أن هناك حلولا ناجعة لأزمة نقص إمدادات الرقائق الإلكترونية، أو ما يعرف بـ"أشباه الموصلات"، فهذه الأزمة تتعمق، ولا دخل مباشرا لتداعيات جائحة كورونا في هذا المجال، حتى إن زاد الطلب على هذه الرقائق خلال فترة الجائحة. النقص في إنتاج هذه المادة المستخدمة في كل شيء تقريبا يخص الإلكترونيات، والسيارات، والهواتف، والأجهزة الطبية، والغسالات، والثلاجات، ومصادر توليد الطاقة المتجددة، وغيرها، يعود إلى أعوام طويلة، وأثر عمليا في بعض المراحل في زخم الإنتاج الصناعي عموما. 
وهنا نستشهد بما جرى خلال العام الماضي، حيث ارتفعت حدة التحذيرات من مغبة تأخر تسليم منتجات، بما في ذلك السيارات. وأمس أعلنت شركة "فورد"، ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في الولايات المتحدة، أنها تعتزم إغلاق أحد مصانعها، بسبب النقص الكبير في إمدادات الرقائق الإلكترونية المستخدمة في هذه الصناعة. وخطوة هذه الشركة العملاقة، تأتي في ظل تحذيرات متصاعدة من رؤساء المصانع المختلفة حول العالم، من أن الفترة المقبلة ستشهد بالفعل نقصا في التوريد الصناعي، لأن معدلات إنتاج الرقائق ما زالت على حالها تقريبا منذ أعوام. 
هذا الوضع، دفع عديدا من الشركات الكبرى والمتوسطة إلى تعديل سياستها اللوجستية، الأمر الذي خلف أضرارا بالغة في العوائد المالية، خصوصا أن معظم المؤسسات حول العالم عانت كثيرا الأزمة الاقتصادية التي خلفها وباء كورونا. 
بعض التوريدات في مجال الإنتاج الصناعي قد تتأخر أكثر من عام، بحسب الجهات الألمانية المختصة، التي تسعى مع غيرها من الجهات المشابهة، إلى الوصول بأسرع وقت ممكن إلى حالة من الاستقرار في توريد أشباه الموصلات. وتؤكد شركات إنتاج الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية، وهواتف اللاسلكي، أن 80 في المائة من إنتاجها تأثر من نقص أشباه الموصلات. وهناك كثير من الأمثلة حول العالم، ما يعزز حقيقة أن أزمة نقص الرقائق الإلكترونية ستتواصل في المرحلة المقبلة، خصوصا أن عدد المنتجين الجدد لهذه الرقائق ما زال أقل بكثير مما تحتاج إليه السوق، ولا سيما في ظل ارتفاع فلكي للطلب عليها، نتيجة التحولات الجذرية في طبيعة الصناعات عموما. 
فعلى مستوى صناعة السيارات - مثلا - أجبرت أزمة الرقائق المصنعين على خفض الإنتاج، في الوقت الذي أجبروا فيه على الخفض أكثر بسبب تراجع الطلب خلال أزمة كورونا، وهذا يضع الشركات في أزمة مزدوجة، ويرفع مخاطر تعرضها للخسائر الكبيرة. والحق، أنه لا توجد عدالة في مجال مشاركة ما هو معروض من الرقائق الإلكترونية في السوق العالمية، فنسبة توريد الرقائق تصل إلى 80 في المائة في آسيا. 
وترى شركة "إنتيل"، أهم صانع للرقائق الإلكترونية في العالم، أنه لا بد من وجود سلسلة توريد عالمية أكثر توازنا، إلى أن يتم توفير الاحتياجات الدولية كلها في هذا المجال. ومع ذلك، فإن نسبة من المصانع الآسيوية تعاني نقص أشباه الموصلات، وفي كل الأحوال، لا توجد بارقة أمل لحل هذه المشكلة قريبا، على الرغم من أن بعض منتجي الرقائق، بما في ذلك "إنتيل"، تعتزم بناء مزيد من المصانع المنتجة لها في مناطق مركزية مثل الولايات المتحدة وأوروبا. لكن مراقبين يطالبون بضرورة توفير مصادر صناعية جديدة لهذا المنتج المحوري، الذي لا يمكن استبداله، أو الاستغناء عنه في كل الصناعات الحديثة، خصوصا مع عدم توسع الشركات المعروفة المنتجة في تصنيعها، بما يلبي الطلب الذي لا يتوقف عليه.

إنشرها