Author

المالية العامة خلال الربع الأول 2021

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أظهرت مؤشرات أداء الميزانية العامة للدولة بنهاية الربع الأول من العام المالي الجاري، تحسنا ملموسا مقارنة بمؤشرات أداء الفترة نفسها من العام الماضي، حيث سجل إجمالي الإيرادات نموا سنويا بلغ 6.6 في المائة “204.8 مليار ريال”، مقابل انخفاض إجمالي المصروفات الحكومية 6.2 في المائة “212.2 مليار ريال”، ليتراجع العجز المالي إلى نحو 7.4 مليار ريال “1.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الربعي”. وعلى الرغم من الانخفاض السنوي للإيرادات النفطية 9.5 في المائة، إلا أن النمو السنوي للإيرادات غير النفطية 39.3 في المائة، أسهم في امتصاص ذلك الانخفاض، وأسهم أيضا في زيادة إجمالي الإيرادات بنحو 12.7 مليار ريال، كان الممول الأكبر لتلك الزيادة متأت من الارتفاع الذي طرأ على بند الضرائب على السلع والخدمات، الذي ارتفع 75.4 في المائة، أي بزيادة بلغت 23.1 مليار ريال، وهو ما شكل 92.7 في المائة من إجمالي الإيرادات غير النفطية.
أما على مستوى تفاصيل المصروفات الحكومية، فقد تأتى الانخفاض السنوي الذي طرأ عليها من انخفاض المصروفات الرأسمالية بنسبة قياسية بلغت 46.9 في المائة، استقرت بنهاية الربع الأول من العام الجاري عند مستوى 14.9 مليار ريال، مقارنة بأعلى من 28.1 مليار ريال في نهاية الربع الأول من العام الماضي، وهذا يتوافق مع التوجهات الجديدة التي تم إعلانها في نهاية الربع الأول، بأن يتقدم صندوق الاستثمارات العامة إلى أن يكون المصدر الأول والأكبر للإنفاق الرأسمالي في الاقتصاد المحلي طوال الفترة 2021 - 2030، بالاعتماد على برامج تنموية شاملة، ووفقا لخطط استثمارية محددة، تأخذ في الحسبان زيادة الشراكة مع القطاع الخاص، ويقدر أن يصل إجمالي ذلك الإنفاق الرأسمالي إلى نحو 3.0 تريليون ريال طوال الفترة.
ووفقا لتلك السياسات المتكاملة بين السياسة المالية من جانب أول، يعتمد على حوكمة وترشيد النفقات الجارية، ومن جانب آخر السياسة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، يمكن القول إن الدور التكاملي لتلك السياسات سيسهم في استمرار الدعم اللازم للاقتصاد الوطني، لما يمثله ذلك الإنفاق حتى الفترة الراهنة من أهمية عالية لدعم مختلف نشاطات الاقتصاد عموما، والقطاع الخاص خصوصا، وهو المسار الخاضع لوتيرة واسعة ومستمرة من الإصلاحات والتطوير وفقا للبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، وصولا إلى أحد أهم أهدافه الاستراتيجية، المتمثل بأن يرتفع إسهام القطاع الخاص إلى نحو 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهو الأمر المحوري الذي تم تأكيده في توجهات السياسة المالية لميزانية العام المقبل، والعمل على تحديد مسار العمل عليه عبر عديد من المحاور، كان أهمها: مواجهة التحديات المالية والاقتصادية الراهنة والمتوقعة بهدف المحافظة على المركز المالي للدولة، والمحافظة على مكتسبات النمو الاقتصادي التي تحققت في الفترة ما قبل أزمة جائحة كورونا، وتمكين الجهود الحكومية من العودة إلى مسار النمو والتعافي من الأزمة، إضافة إلى توجيه الإنفاق الحكومي وتركيزه على القطاعات ذات الأولوية وذات العائد الاقتصادي الأعلى، والعمل وفق منظومة متكاملة على استراتيجيات متعددة، تستهدف تعزيز استقرار الإنفاق الحكومي، مع مواصلة الصرف على برامج تحقيق “الرؤية” والمشاريع التنموية الكبرى “صندوق الاستثمارات العامة”، واستمرار الصرف أيضا على برامج منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية.
انعكست إيجابيا حصيلة كل ما تقدم ذكره أعلاه، على انخفاض كبير في العجز المالي بنحو 1.1 في المائة من الناتج المحلي ربع السنوي، الذي تم تمويله بالكامل من الاقتراض محليا وخارجيا، ووصل حجمه إلى نحو 50.5 مليار ريال خلال الربع الأول من العام الجاري، وسيتم استخدام المبلغ الزائد منه لسداد عجز الميزانية خلال الفترة المتبقية من العام المالي الجاري. وعلى مستوى الدين العام، فقد سجل ارتفاعا سنويا بلغ 18.0 في المائة، ليستقر عند مستوى 901.4 مليار ريال “34.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”، وشكل الدين الداخلي من إجمالي الدين العام أكثر من 513.7 مليار ريال “57.0 في المائة من الإجمالي”، بينما شكل الدين الخارجي أكثر من 387.6 مليار ريال “43.0 في المائة من الإجمالي”، وكما تظهر التغيرات الأخيرة في تلك البنود، أن الاعتماد في تمويل العجز المالي الحكومي، زاد من توجهه نحو الأسواق الخارجية لتخفيف المزاحمة الحكومية على مصادر التمويل المحلية، وبالاستناد إلى التصنيف الائتماني المرتفع الذي يتمتع به الاقتصاد السعودي خارجيا، ومستفيدا كذلك من الانخفاض الراهن في معدلات الفائدة. وكل ذلك، مع الأخذ ببقية العوامل الأساسية الأخرى ماليا واقتصاديا، من شأنه أن يسهم في توفير النوافذ الكافية من التمويل المحلي للقطاع الخاص، والحصول على سيولة خارجية بمعدلات فائدة متدنية، ومن ثم ضخها في الاقتصاد المحلي على البرامج والبنود التنموية الحيوية.
يمكن القول مع المستويات الجيدة للإيرادات، وتحت سياسات الترشيد وتحقيق كفاءة الإنفاق في جانب المصروفات، والمحافظة عليها حتى نهاية العام المالي الجاري، أو تحقيق مستويات أفضل، خاصة في جانب زيادة تحسن الإيرادات النفطية، كل ذلك سيؤدي - بمشيئة الله تعالى - إلى زيادة فرص السياسة المالية في خفض معدل ضريبة القيمة المضافة متى ما تحسنت الإيرادات وتوسع الاقتصاد وتضاعف الناتج المحلي، في ظل المعطيات الإيجابية الراهنة، ووفقا لما تحدث عنه ولي العهد الأمين في لقائه الموسع الأخير بمناسبة مرور خمسة أعوام على بداية برامج رؤية المملكة 2030، والتأكيد أن معدلها الراهن ليس دائما، وسيتم خفضه متى ما تأكد عدم الحاجة إلى تلك الزيادة الضريبية، وهو ما سيسهم - بالطبع - في زيادة استعادة الاقتصاد وتيرة التعافي، وتحقق مزيد من معدلات النمو الحقيقي لمختلف نشاطاته.
إنشرها