Author

تجارة «متوحشة» بلا معايير 

|

 مشكلة انتشار السلع المقلدة قديمة، لكنها تتفاقم يوما بعد يوم، وذلك بفعل ارتفاع مستوى إنتاج هذه السلع ورواج تجارتها، وتراجع تكلفتها، وبالتالي انخفاض أسعارها أكثر وأكثر، حيث أصبحت علامة بارزة في خريطة التجارة الدولية، ووضع لها مساحة معتبرة. ورغم كل القوانين التي صدرت حول العالم للحد من هذه السلع ومحاربتها وملاحقة من يقوم بتصنيعها وترويجها وبيعها، إلا أن هذا القطاع يواصل تضخمه.

ووفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية"، فقد بلغ حجم سوق السلع المقلدة في العام الماضي أكثر من 1.8 تريليون دولار، بينما قدر حجمها في عام 2017 بـ1.2 تريليون، أي أن الزيادة جاءت كبيرة للغاية في غضون أقل من أربعة أعوام فقط، الأمر الذي يعزز حقيقة أن السلع المقلدة تزدهر وتتوسع، على الرغم من كل الإجراءات التي تتخذ ضدها، بما في ذلك قوانين صارمة من منظمة التجارة العالمية، فضلا عن القوانين الحكومية المحلية في هذا البلد أو ذاك.

إن أخطر ما يمكن أن يتعرض له اقتصاد أي بلد، هو تفشي البضائع المقلدة في أسواقه وبين أيدي مستهلكيه، بديلا لتلك التي تتمتع بمواصفات ومقاييس محددة، جيدة الخامات، وطريقة التصنيع والحفظ والنقل والعرض، وبالتالي تكون خسائر كثير من السلع فادحة في الأرواح، إلى جانب الخسائر المادية المرتفعة. وقد وصف خبراء اقتصاديون رواج تجارة السلع المقلدة بالجريمة المنظمة التي تستحق العقاب الرادع، والمواجهة بالقوانين الحازمة والناجعة.

ولهذه التجارة السوداء آثار اقتصادية مفجعة في الشركات التي تنتج السلع الأصلية، فضلا عن أن بعض السلع المقلدة تتسبب في أضرار صحية بالغة، بل تنشر المخاطر على مستخدميها. وتكمن خطورة السلع المقلدة والمغشوشة في الأدوات الكهربائية والمواد الغذائية وقطع غيار السيارات على اختلاف أنواعها، وهي في مجملها خطر يهدد الإنسان والبيئة والاقتصاد، وتفتقر إلى المزايا التي تتمتع بها السلع الأصلية، كما أن عمرها الافتراضي قصير، لأنها أقل كفاءة، إلى جانب أن هناك صعوبات جمة في صيانتها.

ومثال ذلك الولاعات والأدوية وأدوات الوقاية والسجائر ومستحضرات التجميل وأدوات التنظيف والساعات والنظارات، وغير ذلك من السلع التي ينبغي أن تخضع لأعلى معايير الأمان والصحة. فالبضائع المقلدة لا تخضع إطلاقا لأي من هذه المعايير، وهي - بالطبع - خارج نطاق رقابة الجهات المختصة. وهناك وفيات وقعت بالفعل، من جراء استخدام المنتجات المقلدة، بما في ذلك معدات الحماية، والدراجات، والأدوية، وأدوات المطبخ، وغيرها، أي أن المخاطر الناتجة عن هذه البضائع ليست خطيرة فحسب، بل مميتة أيضا. لكن الأمور تمضي قدما في سوق يبدو واضحا أن القضاء عليها لن يتم في وقت قريب.

إن انتشار السلع المقلدة في الأسواق يشكل خطرا كبيرا على الإنسان والبيئة واقتصاد البلد عموما، فهو من ناحية يسهم في تأثيره السلبي في السلع الأصلية النظيفة والجيدة المطابقة للمقاييس والمواصفات. وتعمل الحكومات حول العالم بين الحين والآخر على إتلاف ما تضبطه من هذه السلع، إلا أن ذلك لم يؤثر في زخم الإنتاج، فالعلامات التجارية الفاخرة وغير الفاخرة، تتعرض لخسائر كبيرة، الأمر الذي دفع بعضها إلى خفض إنتاجها، وبالتالي تخفيف العبء الوظيفي عليها، ورفع مستوى البطالة هنا وهناك.

والحق، أن أسعار السلع المقلدة مغرية للغاية، فوفق بعض الأبحاث الميدانية، تبين أن نسبة من زبائن السلع الفاخرة الأصلية اتجهت بالفعل إلى البضائع المقلدة، خصوصا تلك التي تم تقليدها ببراعة كبيرة. ويؤكد المختصون بعد تجارب عديدة، أن بعض المسؤولين في الشركات الأصلية فشلوا في إثبات زيف سلع مقلدة عرضت عليهم، بما في ذلك الساعات والأقلام الفاخرة حتى الحقائب.

الجهات التي تقف ضد هذه السوق السوداء من البضائع، تؤكد أن نسبة من عوائد البضائع المقلدة تذهب إلى ميادين المنظمات الإجرامية، لأنها ليست خاضعة للرقابة المالية ولا لضرائب الدخل ولا للرسوم الجمركية، وغير ذلك من الإجراءات الحكومية، وهذا يعني، أن هذه العوائد تستخدم أيضا في عمليات غسل الأموال، وهذا أمر يحاول العالم مواجهته بكل ما يملك من أدوات. والمصيبة، أن المنصات الإلكترونية الشرعية تسهم بصورة أو بأخرى في الترويج للبضائع المقلدة، ما دفع أغلبية الحكومات إلى إعادة النظر في بعض القوانين الخاصة بهذه المنصات، بما في ذلك منصات عالمية معروفة جدا.

فلا بد من خطوات أخرى جديدة لمحاربة السلع المقلدة على مستوى العالم، وتجفيف الأسواق من السلع المغشوشة، ومن أهم تلك الخطوات نشر ثقافة الوعي بين المستهلكين، وتشديد أحكام الرقابة وزيادة قدرتها وأدواتها ووسائلها. فقد بلغ حجم هذه التجارة 3.3 في المائة من إجمالي التجارة العالمية، والمثير في الأمر أن هذه التجارة المتوحشة، ارتفعت مبيعاتها حتى في أوقات الركود التي مر بها الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الفترة التي انتشرت فيها جائحة كورونا.

إنشرها