Author

نمو ومصداقية ومتانة

|

بعد الحوار الشامل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي بثه عدد من القنوات التلفزيونية ولقي ترحيبا واسعا، جاء بيان خبراء صندوق النقد الدولي، في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2021 الخاص بالسعودية، ليؤكد ما ذكره ولي العهد، فلدينا اليوم تصور شامل وواضح عن مسيرة الاقتصاد السعودي وما يتمتع به من مصداقية عالية، ومتانة كبيرة، ونمو متسارع، مع تحقق الإنجازات التي وعدت بها الرؤية في الأعوام الخمسة الماضية من عمرها.

فوفقا للبيان، نجحت المملكة في تحقيق تنويع اقتصادي مكنها من تجاوز أزمتين متزامنتين، وحدد خبراء الصندوق بشكل واضح أن الاستجابة السريعة والحازمة لتداعيات هاتين الأزمتين هي التي مكنت من تخفيف الآثار والحد من حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن الجائحة. كما ساعدت برامج دعم المالية العامة والقطاع المالي والتوظيف على تخفيف الأعباء على الشركات والعاملين السعوديين.

لقد عزا صندوق النقد هذا النجاح بشكل أساس إلى الجهود المتوافقة مع توجهات رؤية 2030، وهو ما أكده وزير المالية السعودي في تعليقه على البيان، حيث قال إن نجاح الحكومة السعودية في تحقيق نتائج طيبة ملموسة خلال عام هو الأصعب على العالم أجمع، جاء نتيجة التنفيذ الدقيق لبرامج وخطط ومستهدفات رؤية السعودية 2030، وما تضمنته من إصلاحات اقتصادية وإرساء هيكل قوي للحوكمة والتعاون بين الوزارات والهيئات، واتساع نطاق التحول الرقمي على صعيد الخدمات الحكومية والمالية، وسياسات المالية العامة والقطاع المالي، التي أتاحت قوة هوامش الأمان والمرونة في حرية التنقل الوظيفي في سوق العمل.

إن هذه العبارات واضحة من خبراء مستقلين، تؤكد أن المرحلة الأولى من عمر الرؤية قد حققت مستهدفاتها. وألمح الخبراء إلى أن الأزمتين معا، التي واجههما الاقتصاد السعودي، هما أزمة كوفيد - 19 مع ما تسببت به من إغلاق اقتصادي كامل، وإغلاق للحدود والسفر، وإقفال باب العمرة وتحديد عدد الحجاج، كما صاحب ذلك انهيار في أسعار النفط العالمية، مع موجة حادة من التخوف أربكت الأسواق العالمية، لكن التغييرات الهيكلية، التي جاءت نتيجة التنفيذ الدقيق والمحكم لمبادرات الرؤية، ومن ذلك مبادرات تنمية الإيرادات غير النفطية وتحقيق كفاءة الإنفاق، مع الزخم الكبير الذي صاحب ذلك من التحول السريع للحكومة الإلكترونية، مكن الاقتصاد السعودي من العمل بكفاءة كبيرة، واستطاعت الدولة أن توفر حزما من الدعم حققت المزايا الاقتصادية، التي ذكرها البيان الختامي لخبراء الصندوق.

هذه المزايا، التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي اليوم، وفقا لتوقعات خبراء الصندوق، تتركز في قدرة الاقتصاد على التعافي السريع، حيث من المتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 2.1 في المائة خلال العام الجاري، و4.8 في المائة في 2022.

كما يتوقع خبراء الصندوق أن يصل النمو غير النفطي إلى 3.9 في المائة في 2021، وأن يتجه تضخم مؤشر أسعار المستهلكين إلى الهبوط ليبلغ 2.8 في المائة في 2021، مقابل 3.4 في المائة في 2020. كما أن الرؤية ساعدت على تحسين مستويات الإنتاجية والنمو والدخل الأسري، حيث تشير التقديرات إلى زيادة نسبة مشاركة النساء السعوديات في القوة العاملة بمقدار 13 نقطة مئوية، لتتجاوز 33 في المائة خلال العامين الماضيين. وكل هذا النمو المتوقع والاستقرار العام في ظل تراجع متوقع للعجز المالي إلى 4.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري بعد أن بلغ قريبا من 11 في المائة العام الماضي. وهذا التراجع الكبير في العجز يأتي في ظل تحسن على جميع الأصعدة، سواء في تنامي الإيرادات غير النفطية، أو في تحسن أسعار النفط، ما يعيدنا إلى مسار الرؤية.

وأصبحت قدرة الميزانية العامة على تحقيق التوازن المنشود أكثر احتمالا وبدرجة كبيرة، كما أشار خبراء الصندوق، حيث من المتوقع أن يتحقق التوازن بحلول عام 2026، في ظل آفاق سوق النفط العالمية والسياسات المالية الحكومية المعتمدة. هذه المزايا، التي تتحقق، تأتي أيضا مع احتياطيات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي السعودي عند مستويات جيدة للغاية، كما وصفها البيان، وتتمتع البنوك بمتانة مالية جيدة، وإصلاحات أسواق الأسهم وأدوات الدين، حيث أتاحت خيارات متنوعة من رأس المال أمام الشركات ومزيدا من الفرص الاستثمارية للمدخرين.

وهكذا، فإن انطلاقة المرحلة الثانية للرؤية، التي دشنها ولي العهد خلال نيسان (أبريل) الماضي، تأتي مع مشهد اقتصادي مطمئن للغاية وتقارير دولية داعمة لمسيرة الإصلاح الاقتصادي، وتؤكد سلامة المسار والمنهج. ويمكن الإشارة إلى المرحلة المقبلة بالحقبة الخضراء، فالمملكة تتزعم العالم بمبادرات الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مع تطبيقات واسعة النطاق للاقتصاد الدائري للكربون والنفايات، وكل ذلك في مسار مؤسسي متكامل مع برنامج تدوين الأنظمة القانونية، الذي سيسهم في تعزيز البنية التحتية القانونية ويساعد على وصول أكبر للعاملين السعوديين إلى وظائف القطاع الخاص، مع تحسن الإنتاجية والسياسات الرامية إلى تحسين جودة التعليم، والتدريب المهني.

إنشرها