FINANCIAL TIMES

فضيحة مكتب البريد البريطاني تكشف أن الكمبيوتر يكذب

فضيحة مكتب البريد البريطاني تكشف أن الكمبيوتر يكذب

عندما أطلق مكتب البريد في المملكة المتحدة وشركة الكمبيوتر اليابانية فوجيتسو مشروع "هورايزون" في 1999، تفاخرا بأنه "أكبر نظام تكنولوجيا معلومات غير عسكري في أوروبا". لكن نشر هذا النظام عبر شبكة مكتب البريد تبين أنه كارثي وأدى إلى واحدة من أبشع حالات الظلم في التاريخ البريطاني.
في الأسبوع الماضي ألغت محكمة الاستئناف الجنائية إدانات لـ39 من موظفي مكاتب البريد الفرعية بتهمة السرقة والاحتيال والمحاسبة الزائفة. يمهد الحكم الطريق أمام كثيرين من بين 700 من مديري مكاتب البريد الفرعية الآخرين الذين حوكموا باستخدام أدلة من نظام هورايزون، للطعن في إداناتهم أيضا.
في حكم دامغ في قضية سابقة ذات صلة، انتقد القاضي بيتر فريزر مديري مكاتب البريد والمديرين التنفيذيين في شركة فوجيتسو لإصرارهم على أن نظام هورايزون معصوم من الخطأ ولتجاهلهم الأدلة المخالفة. قال: "هذا بمنزلة معادل القرن الـ21 للذي يؤمن بأن الأرض ليست كروية".
يجب أن يكون الرد الرئيس على هذه الفضيحة هو رؤية العدالة تتحقق وتعويض رؤساء مكاتب البريد الفرعية الذين تحطمت حياتهم. لكن ينبغي لنا أيضا أن نتعلم بعض الدروس منه. بدأت الحكومة تحقيقا في الأمور التي أصابها الخلل. لكن الشهادة، وتجارب مديري البريد الفرعيين التي سجلها الصحافي الاستقصائي نيك واليس، والمقابلات مع المختصين بالتكنولوجيا والمحامين المطلعين على القضية تقدم أدلة قوية.
من وجهة نظر تكنولوجية، مشروع هورايزون هو دراسة حالة عن كيفية عدم تقديم خدمة برمجية. تم تعديل تصميم فوجيتسو إلى حد كبير من نظام سابق (معيب). تم إنشاؤه من الأعلى إلى الأسفل، ولم يأخذ في الحسبان سوى قليل من احتياجات المستخدمين. استعان مكتب البريد بشركة فوجيتسو فيما يخص الخبرة التكنولوجية وقدم تدريبا غير كاف لمديري البريد الفرعيين الذين استخدموا هورايزون. بعد ذلك فشل في فرض نظام صارم لتدقيق البيانات. أخبرني أحد مستشاري التكنولوجيا المطلعين على نظام هورايزون: "أنا أشعر بالاشمئزاز من الخطأ الذي حدث. لم يكن مكتب البريد يعرف سوى القليل جدا عن أنظمته هو بالذات".
والأسوأ من ذلك هو الطريقة التي استجاب بها مكتب البريد لطوفان شكاوى المستخدمين. في ظل ضغوط مالية شديدة، وجد مديرو مكاتب البريد أن من الأسهل اللجوء إلى كبش فداء يتمثل في مديري مكاتب البريد الفرعية بدلا من إصلاح الخلل في نظام هورايزون. يقول جيمس هارتلي، وهو محام في شركة فريتس القانونية، الذي مثل مديري المكاتب الفرعية، إن الدرس الأكثر وضوحا الذي يمكن استخلاصه من الفضيحة هو مواجهة المخاوف عند ظهورها. "كان نظام هورايزون مشكلة كبيرة، لكنه لم يكن المشكلة الرئيسة. المشكلة الرئيسة كانت نهج الإدارة".
باعتباره واحدا من المؤسسات القليلة في بريطانيا التي تتمتع بصلاحياتها الخاصة في التحقيق والملاحقة القضائية، طارد مكتب البريد مديري المكاتب الفرعية المشتبه بهم بطريقة عدوانية بشكل غير عادي. يقول أحد كبار المحامين: "الجهة التي تدعي أنها الضحية لا ينبغي لها أن تكون قادرة على المحاكمة. هذا يمثل مشكلة ضخمة".
من منظور قانوني، تبرز هذه القضية مخاطر قبول البشر الأعمى لمخرجات الأنظمة الآلية كدليل موثوق، وعقلية "الكمبيوتر لا يكذب أبدا". بالنسبة لكثير من مديري الخطوط الأمامية أو الأطباء أو أفراد الشرطة العالقين في مشكلات الإدارة، غالبا ما يكون من الأسهل السير مع التيار، كما تقول كريستينا بلاكلوز، الرئيسة السابقة لجمعية القانون. "غالبا ما يكون قبول ما يخبرك به الكمبيوتر هو الخيار الأقل خطورة بالنسبة للفرد والأقل استهلاكا للوقت أيضا".
وهي تجادل بأن القانون العام، في الوقت الحالي "مرن بما فيه الكفاية وسريع الاستجابة وتقديري" بما يكفي لمراعاة الطبيعة المتغيرة للتكنولوجيا، حتى لو كانت هناك حاجة إلى تشريعات جديدة في المستقبل. لكنها تقول إن قضية مكتب البريد ينبغي أن تكون قصة تحذيرية لكل منظمة. "كانت هذه إهانة مروعة لحقوق الإنسان لدرجة أنني أرجو أن تفحص جميع المؤسسات الأخرى أنظمتها وعملياتها وتراجعها للتأكد من أنها لا تسقط في خطأ على هذا النحو".
ربما يكون الاستنتاج الأكثر إثارة للقشعريرة في فضيحة مكتب البريد هو أن من السهل جدا تخيل حدوث أخطاء مماثلة في مؤسسات القطاع العام الأخرى التي تعاني نقص الموارد في إداراتها التكنولوجية، واستعانت بمصادر خارجية في مجال الخبرات المهمة وقلصت أنظمة التدقيق الملائمة. لا يزال هناك قلق بشأن الإدارات التي سلمت خدمات كاملة لشركات تكنولوجيا المعلومات والاستشارات الكبرى وقياس الأداء على أساس النتائج بدلا من فهم كيفية تقديم هذه الخدمات، كما يقول مايك براكن، الرئيس السابق للخدمات الرقمية الحكومية. "لا تزال هناك درجة من المخاطرة بحدوث هذه الأشياء مرة أخرى".
نحن مدينون لمديري البريد الفرعي المدانين خطأ، وجميع الذين قد يعانون في المستقبل الظلم الناتج عن الأتمتة، بتقليل تلك المخاطر.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES