default Author

الملل والأمل

|

الملل هو إحدى بوابات الاكتئاب منه تعبر من حالة التوازن النفسي إلى الاعتلال المرضي، فقد تملك كل مقومات السعادة ولكنك تعجز عن عيشها إنه سجن للذات يكبلك ويعيشك داخل أسوار الكسل والإحباط والميل الدائم لتضييع الفرص والوقت أو محاولة قتله بما لا يعود على الشخص بالنفع، لذا لا بد أن تصنع في داخلك محاربا قويا يواجه ذلك التيار ويحاول فك قيودك وإخراجك من سجنك وتحويل شعورك بالملل إلى طاقة إبداعية ويفتح أمامك فرص الإبداع وصنع ما لم تصنعه من قبل ويمنحك فرصة اكتشاف ذاتك ومن حولك.
الملل فرصة للدخول إلى عوالم كانت مجهولة بالنسبة لك، تلك العزلة التي يمنحها لك قد تكون بداية التغيير للأفضل للتعمق في الحياة والخروج بأفضل ما فيها بدل اللجوء للمسلسلات والأفلام التي تعزز من ثقافة الكسل والتفاهة أو الانغماس في الألعاب الإلكترونية وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي التي تعزلك عمن حولك وتعيشك في عالم افتراضي مخالف لواقعك يجلب لك التعاسة والسخط ولا يخلصك من الملل، فتجد أن أيامك مضت بلا جدوى وأضعت أثمن ما تملك "الوقت"، واجه الملل بالتغيير العملي لا بعقد الآمال على مستقبل مجهول، الأمل ليس في مصلحتك دوما، ففي الغالب يعطل طول الأمل قدراتك وينقلك من سجن الملل إلى جحيم الانتظار! ويحرمك متعة عيش حاضرك ومواجهة مشكلاتك ويدفعك للتسويف وعقد الآمال على أشياء لا تملكها ويجرك إلى عالم وهمي تنتظر فيه ما قد يكون أو لا يكون، فذلك الغد المحمل بالآمال لم يأت وغدا لم تشرق شمسه بعد رغم مرور الأيام. التفاؤل جميل ولكن عقد الآمال على أشخاص أو مستقبل مجهول يجعلك تعيش حياة مزيفة بناء على ما سيكون لا ما هو كائن الآن، الأمل خصوصا في الأشخاص قيد يعيق كل قرار تريد أن تتخذه، يكبل يديك وقدميك ويجلسك عنوة على دكة الانتظار.
وطول الأمل يكسل عن العمل، ويولد التراخي والتواني، ويؤدي إلى التشاغل والتقاعس والميل للهوى، قال الله تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)، بينما قصره يبعث على العمل، ويدفع للمبادرة، ويحث على التنافس حتى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" لا يدعونا للأمل بقدر ما يحثنا على العمل دون انتظار النتائج. وكتبت العبارة التالية "لا آمل شيئا، لا أخشى شيئا، أنا حر" على شاهد قبر الروائي اليوناني الشهير نيكوس كازانتزاكيس صاحب الأوديسة الحديثة بناء على طلبه.

إنشرها