Author

ما بعد التخصيص

|
في كل فترة نرى أشياء أو تحركات تسعى إلى التناقض مع ما هو "معمول به" لفترة طويلة أو قصيرة وفق أنظمة معينة، أو سياق تاريخي متطور أو جامد. فإذا رأيناها أو عشناها أو طرقناها كفكرة أو نظرية، نجد المرحلة تسمى ما بعد المرحلة التي تناقضت معها، مثلا "ما بعد الحداثة"، و"ما بعد الاستعمار".. وغيرها.
أحيانا يكون الـ"ما بعد" مجرد إعادة تدوير للأنماط والموضوعات السابقة في سياق العصر الحديث، وأحيانا يكون بالفعل ثورة جذرية، وأحيانا أخرى لا يكون سوى مجرد هدم بغية التمرد، أو ظنا بصيرورة تقدم ما، ولا يمكن تحديد كونه تقدما أو تأخرا إلا بعد التجربة ونقد المرحلة.
قبل أيام، أعلن 12 من أغنى أندية كرة القدم الأوروبية، أنها ستنضم إلى مسابقة قارية جديدة، تسيطر عليها وحدها كمساهمة وتضمن الحصول فيها على مكان في كل موسم، ثم جاءت عواصف سياسية وجماهيرية ضدها، ثم تراجع بعض هذه الأندية، وصمت بعض آخر، ولا تزال القضية موضع نقاش ومصدر قلق للاتحادات الدولية عامة والأوروبية خاصة.
الفكرة، أو القرار إذا أصبح كذلك ونفذ، عد انفصالا جزئيا أو كليا عن سلطات كثيرة، أهمها سلطة الاتحاد الكروي، ويماثلها في الأهمية سلطة الجماهير، وهي سواء اتفقنا معها أو اختلفنا ستصبح ثورة جديدة وليست فقط مجرد خطوة يخطوها الأغنياء في الرياضة التي صنع منها الفقراء أسطورة العصر الحديث.
ماذا يمكننا تسمية هذه المرحلة بالنسبة إلى الأندية أو للقطاع الرياضي، هل يمكننا القول: إنها مرحلة "ما بعد الخصخصة"، وإن هذه الأندية، أو فلنقل ملاكها، لأن الأمر يتمحور حول المال والأعمال، يتجهون نحو فردانية خاصة بهم، ويريدون الحصول على كعكتهم دون أن يشاركهم فيها أحد؟ وهل سيحذو حذوهم أي قطاع آخر يحس أعضاؤه بأنهم في حاجة إلى مزيد من الاستقلالية ومزيد من الأرباح؟.
سنكون أمام مشهد لصراع المال والديمقراطية والبيروقراطية، لسجال بين منظمات وأندية وجماهير غفيرة، وأشك أن يستطيع أحد منع أي مجموعة أندية من فعل ما تشاء طالما أن هذه الأندية ملكية خاصة، وسيتحتم علينا نحن الذين ما زلنا في مرحلة انتظار تخصيص الأندية، النظر بعمق إلى مسار هذا الصراع والسجال، لأنه سيرسم ملامح هذه السوق، سوق كرة القدم. قد لا تتم هذه الخطوة هذه المرة، لكنها أظهرت ما يفكر فيه البعض، ومع الوقت، ومع محاولة هنا وأخرى هناك، سيصبح الأمر واقعا، وسيعاد السؤال: وماذا بعد تلك المرحلة؟
الحديث شيق ويطول.
إنشرها