Author

هل هي حرب باردة؟

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الصين تشكل تهديدا للاستقرار العالمي"
أنتوني بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة
لا أحد يتوقع أن تنفرج العلاقات الأمريكية - الصينية سريعا، تماما كما لم يتوقع أحد أن تمضي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على النهج نفسه تقريبا الذي سارت عليه إدارة دونالد ترمب السابقة مع بكين. التوتر ظل قائما، وإن أخذ أشكالا أقل حدة على الأقل من جهة التصريحات العلنية لكلا الطرفين، واتسمت في ظل إدارة بايدن بالدبلوماسية، لكنها لم تكن كذلك في عهد ترمب، حيث قفزت هذه التصريحات فوق حدود اللياقة السياسية من الجانبين أيضا. ويبدو واضحا، أن القائمين على الملف الصيني في واشنطن، متفقون مع زملائهم السابقين في هذا الموقع، ويرى الرئيس الأمريكي الشيء نفسه، خصوصا في ظل ما وصفه هذا الأخير بالتعنت الصيني المستمر، وتجاوزات بكين على أكثر من صعيد، محليا وعالميا.
يستهجن الأمريكيون الاتهامات الصينية لهم بأنه غارقون في عقلية الحرب الباردة. والحق: إن الطرح الأمريكي، خصوصا في ظل الإدارة الديمقراطية الحالية، لا علاقة له بهذه العقلية، بل على العكس. فواشنطن حاليا تتبع استراتيجية الديمقراطيين التقليدية، القائمة على حتمية التعاون الدولي، وبناء التحالفات التي لا تشكل أعداء لها. وذلك على عكس نهج ترمب الذي رفع شعارا لم يتخل عنه طوال فترة رئاسته، بأن العلاقات تبنى على أساس ثنائي، وتستند فقط إلى أن تكون "أمريكا أولا". هذا النهج أحدث شرخا كبيرا في العلاقات الأمريكية الدولية، وشمل حتى الدول الحليفة تقليديا لواشنطن، وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي وكندا. ومن هنا، فإن اتهام إدارة بايدن بأنها تتبع استراتيجية الحرب الباردة، لا يبدو أنه يستند إلى أرضية صلبة.
لنترك الاجتماع المباشر الوحيد الذي تم هذا العام بين واشنطن وبكين على مستوى وزراء الخارجية جانبا. فهذا اللقاء - رغم أهميته الرمزية - حمل معه الفشل حتى قبل انعقاده. فلا بيان مشترك صدر، ولا تصريحات دبلوماسية لطيفة أعقبته. مشروع القانون الذي قدمه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الشهر بشأن الصين، لافت للغاية. وأهميته تأتي في ظل توتر متصاعد في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم. بالطبع هذا المشروع لم يستخدم كلمة التهديدات، بل تناول توصيف التحديات التي تشكلها الصين. وهذا يؤكد مرة أخرى مدى حرص الأمريكيين في عهد بايدن، على استخدام اللغة المساعدة في ملف شائك. صحيح أن هذا المشروع ركز على مسألتين أساسيتين، وهما: سرقة الملكية الفكرية، ومسألة تعزيز العلاقات الأمريكية مع تايوان، التي تعدها الحكومة المركزية في بكين جزءا لا يتجزأ من الصين.
لكن الصحيح أيضا أن المشكلات الأخرى العالقة ليست أقل أهمية، ولا سيما فيما يرتبط بمسائل حقوق الإنسان في الصين، حيث تعتقد واشنطن أن الحكومة تمارس خروقات لا تغتفر في هذا المجال. فحتى إدارة ترمب التي لم تكن تهتم كثيرا بقضايا حقوق الإنسان، مقارنة بالإدارة الأمريكية الحالية، اتهمت بكين رسميا بأنها تعتقل أكثر من مليون مسلم من الإيجور والأقليات الأخرى في مقاطعة شينجيانج في الصين. فهذه الأخيرة ترى أن هذه المسألة من الخطوط الحمراء، لكن الانتقادات لها ليست حكرا على الجانب الأمريكي، بل تشمل أغلب الدول، بما في ذلك منظمات تابعة للأمم المتحدة وأخرى حقوقية في الغرب والشرق. المثير في مشروع مجلس الشيوخ، أنه حصل على توافق نادر فعلا بين الجمهوريين والديمقراطيين، ما يؤكد مجددا أن التعامل الأمريكي مع الصين يستند إلى أرضية سياسية أمريكية مشتركة.
المسائل العالقة متعددة، وكلها تمثل محاور رئيسة للخلافات بين واشنطن وبكين، بما في ذلك الموقف الأمريكي من التدخلات الصينية في هونج كونج، والأهم من هذا، الانتشار العسكري الصيني المتصاعد في آسيا. هذه الخلافات لها شقها الثنائي بالطبع، لكن لها أيضا جانبها الدولي، في الوقت الذي يسعى فيه جو بايدن، إلى تشكيل تحالفات لا تؤدي بالطبع إلى حرب باردة لا يريدها. يقول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي: "لا نسعى إلى الصراع، لكننا نرحب بالمنافسة، وسندافع دائما عن مبادئنا وشعبنا وأصدقائنا". المسؤولون الصينيون يتمسكون بالشق الخاص بالدفاع عن الأصدقاء، ليؤكدوا استنتاجاتهم أن واشنطن تسعى لحرب باردة جديدة، بعد ثلاثة عقود على انتهاء تلك التي صبغت العالم بهويتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ليست هناك بارقة أمل حاليا لبدء حراك يحلحل المشكلات العالقة بين الولايات المتحدة والصين. ويبدو واضحا أن الحكومة في بكين ماضية في سياساتها التي تتبعها منذ عقدين على الأقل، ومستمرة في مواقفها التي تعدها محقة. على الجانب الأمريكي، لن يكون بايدن ذلك الرجل السهل في هذا الميدان، فقد ضرب تلك التوقعات التي أشارت إلى أنه سيكون أكثر مرونة من سلفه، مستندين في ذلك إلى تفضيله الحوار الدائم أكثر من المواقف الصلبة التي تؤدي إلى مزيد من التعقيد. التوتر الصيني - الأمريكي سيتواصل وستستمر معه انعكاساته على الساحة الدولية، التي تحتاج إلى أكبر قدر من التعاون العالمي في هذه المرحلة بالذات.
.
إنشرها