Author

إساءة الظن

|
الإنسان العاقل يراقب نفسه ويتفقدها فكلما وجد خطأ أصلحه، وكلما وجد عيبا سعى للتخلص منه، فالحكيم من يسعى ويبذل طاقته وجهده في أن يحيا هذه الحياة بأفضل ما يمكن. ومن السلوكيات والأمراض الاجتماعية الخطيرة سوء الظن، الذي يعرف أنه مرض قلبي معنوي يصيب بعض الناس ويقودهم إلى ما لا تحمد عقباه، فهو خلق ذميم وصفة رذيلة نهى الله عنها في أكثر من موضع في كتابه العزيز "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" الآية، وفي الحديث "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، فالظن ما أن يحل بمجتمع إلا ويقوض أركانه ويهدم أواصر المحبة بين أفراده. وإن وقع بين الأقارب كان سببا في تفرقهم. وإن حصل بين زوجين أوغر صدورهم وربما قاد إلى انفصالهم. يرى علماء النفس أن سوء الظن والشك في الآخرين ناتج عن اضطرابات نفسية وعقلية وأنه عرض رئيس في اضطراب أو جنون الارتياب، وهو مرض ذهاني مزمن يتسم بالتوهمات والأفكار الخاطئة تجاه الآخرين، كما يصنف أنه عرض مصاحب لاضطراب الوسواس القهري. والمقصود بسوء الظن هنا هو ذلك الخالي من القرائن والمبني على الأوهام والظنون والشكوك الخاطئة، وليس ذلك الظن المبني على قرائن تكاد تكون كاليقين، لأنه ليس بالضرورة أن كل الظن إثم وإنما كما نصت عليه الآية أن بعض الظن إثم. ولسوء الظن آثار بالغة فمن أساء الظن بالله وقع في الشرك، ومن أساء الظن بالآخرين فقد زرع العداوة والأحقاد في مجتمعه. سأل أحد الحكماء، من أسوأ الناس حالا؟ قال، من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله.. والشاعر العربي يؤكد ذلك بقوله:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته
فأصبح في ليل من الشك مظلم
إن من ابتلي بسوء الظن فإن عليه أن يقبل على عيوب نفسه وينشغل بإصلاحها، وعليه أن يبحث عمن يقدم له الدعم والعلاج النفسي والمعنوي. وقد يلزم أخذه لمقدمي الرعاية الصحية فقد يكون بحاجة إلى تدخل دوائي. وإنه لمن الأهمية بمكان أن ينشأ الأبناء على حسن الظن بالآخرين ومحبتهم وأن السرائر لا يعلمها إلا الله سبحانه.
إنشرها