Author

تقنية بكين وتعبئة واشنطن 

|

يبدو أن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ في العلاقات الأمريكية - الصينية، فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لم تعدل سياسة واشنطن حيال الصين بشكل عام، على الرغم من الآمال التي علقتها الحكومة الصينية على الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، وذلك بعد أربعة أعوام من توتر بين الجانبين خرج حتى عن نطاق السلوكيات الدبلوماسية بين الجانبين. فموقف إدارة دونالد ترمب حيال بكين كان واضحا منذ وصول هذا الأخير إلى الحكم، وكان موقفا متشددا للغاية، ولا سيما فيما يرتبط بالخلافات الاقتصادية والتجارية حتى التقنية بينهما، ومشكلات أخرى متعددة، لكنها ليست هامشية على الإطلاق.

ومن أبرز هذه المشكلات، مسألة سرقة حقوق الملكية الفكرية من جانب الصين، وموقف بكين من تايوان، فضلا عن الأزمات المتلاحقة على صعيد علاقة الصين بهونج كونج، دون أن ننسى الأزمة الدبلوماسية التي حدثت بين واشنطن وبكين قبل عام ونصف العام تقريبا، وأدت إلى إغلاق قنصلية لبكين في الولايات المتحدة، وإقدام الصين على خطوة مماثلة بإغلاقها إحدى القنصليات الأمريكية لديها.

بعد شهرين من وصول بايدن إلى الحكم، قدم أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، مشروع قانون يهدف إلى السماح للولايات المتحدة بمواجهة التحديات التي تشكلها الصين، وهذه الخطوة أتت بعد شهر فقط من اجتماع جمع المسؤولين الصينيين والأمريكيين على مستوى وزراء الخارجية، لم يسفر عن شيء، بما في ذلك عدم صدور بيان مشترك عنه. والحق، أن المرونة حيال العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم الغائبة من الجانب الأمريكي، وهي أيضا لا وجود لها على الجانب الصيني، الأمر الذي أبقى التوتر في العلاقات على حاله، وإن تراجعت اللغة العدوانية العلنية التي كانت سائدة طوال الأربعة أعوام الماضية.

فواشنطن ترى أن الحكومة الصينية لم تقم بما يكفي من خطوات لحل المشكلات العالقة، أو على الأرض لبناء أرضية صلبة للحل، بينما تعتقد بكين أن إدارة بايدن لا تختلف كثيرا عن إدارة ترمب. الخلاف بين أكبر اقتصادين في العالم له آثاره القوية والضارة على مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي والكثير من الدول المرتبطة بعلاقة تجارية عميقة مع واشنطن وبكين، ما يجعل عجلة نمو الاقتصاد العالمي تسير بوتيرة ضعيفة ومتذبذبة مع هذا الصراع الدائر بين الطرفين في ظل الآثار الضارة التي يعانيها الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا. وحقيقة، لا يحتمل الاقتصاد العالمي، الذي يعاني أصلا في الأساس، هذا الأمر، وسيؤدي إلى عواقب وخيمة على نمو اقتصاد العالم.

المسائل العالقة، بل لنقل المشكلات السائدة حاليا بين الطرفين، تتأرجح بين الاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية، بما في ذلك العلاقة بين الصين والغرب عموما. وهذا ما يفسر غضب الولايات المتحدة - مثلا - من الانتشار العسكري الصيني المتزايد في القارة الآسيوية، فضلا عن سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، وهو ملف يعد محوريا بالنسبة إلى الدول الغربية.

واللافت في أمر مشروع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي حيال الصين، أن أعضاء المجلس من الجمهوريين والديمقراطيين، اتفقوا "ونادرا ما يتفقون" على الموضوع الصيني، ما يؤكد مجددا أن الآمال بحلحلة المشكلات مع بكين لا تزال بعيدة عن أرض الواقع. فواشنطن تنظر بقلق شديد إلى آثار التصرفات الصينية في الأمن القومي الأمريكي والاقتصادي أيضا.

وفي ظل هذه الأجواء والمعطيات، لا يوجد إلا سلاح العقوبات الأمريكية على بكين، فالمشرعون الأمريكيون، يرغبون في قائمة تضم أسماء المؤسسات والشركات العامة الصينية إلى لائحة العقوبات، على أساس أن هذه الأخيرة تستفيد منذ أعوام عديدة من سرقة حقوق الملكية الفردية، وتلحق أضرارا بالغة بالمؤسسات الأمريكية المشابهة. مشروع القانون الأمريكي يمثل نقطة تحول جديدة في العلاقات الأمريكية - الصينية، ويبعد الحلول عن الساحة، خصوصا أن واشنطن تفتح ملفات حساسة، من بينها قضية المسلمين الأويجور الذين ترى واشنطن أن الحكومة الصينية تضطهدهم ضاربة بكل قوانين حقوق الإنسان العالمية.

المرحلة المقبلة القريبة، ستشهد سلسلة جديدة من العقوبات الأمريكية، وهي تقوم بصورة دورية بإضافة كيانات صينية إلى قوائم عقوباتها، ما يجعل التوتر بين الطرفين قائما. لقد علمنا التاريخ أن مثل هذه المواجهات الكبرى نادرا ما تؤدي إلى ما تحمد عقباه تنذر بحرب اقتصادية عالمية.

إنشرها